سيطرة الحكومة على 5 مليارات دولار من أموال "التقاعد" أفقدها الثقة
تعيش الضفة الغربية المحتلة في حالة من الشد والجذب فيما يتعلق بتطبيق السلطة وحكومتها برئاسة رامي الحمد الله قانون الضمان الاجتماعي بالإجبار، فتسود هذه المدة تظاهرات شعبية رافضة إقرار القانون بصيغته الحالية، وسط مطالبات من القطاع الخاص ونقابات العمال وجهات نقابية بالتعديل على كثير من بنوده.
اعتراضات المواطنين على بنود القانون لم تأتِ من فراغ، فحسب رأي محللين اقتصاديين إن هذه البنود يجب تعديلها تعديلًا يضمن حقوق المستفيدين منها، وعدم ضياعها كما حصل مع صناديق مالية أخرى استولت عليها السلطة.
الخبير الاقتصادي د. سمير الدقران أكد أن قانون الضمان الاجتماعي مجحف لطبقة العمال، ولابد من تعديله ليتناسب مع الحد الأدنى للفقر، والظروف المعيشية التي يعيش فيها الشعب الفلسطيني.
وقال الدقران في حديث إلى صحيفة "فلسطين": "إن غالبية بنود القانون لابد من تعديلها حسب متطلبات اللجنة الوطنية لقانون الضمان الاجتماعي التي شُكلت في الضفة الغربية؛ فيوجد ملاحظات مهمة على هيكل القانون والسلم المالي للوظائف في صندوق الضمان الاجتماعي".
ولفت إلى أنه في المدة القليلة الماضية عين مدير عام للضمان الاجتماعي براتب شهري يصل إلى 8500 دولار، وأن هذا المدير قبِل الراتب على مضض، فكان يطالب براتب يصل إلى 13 ألف دولار شهريًّا.
وبين أن قانون الضمان الاجتماعي شيء مهم في الدولة، وجزء من ملامح الدولة المحترمة، ولابد من تطبيقه خاصة مع معدلات البطالة العالية، منبهًا إلى أنه حسب برتوكول باريس الاقتصادي لا يحول الاحتلال الإسرائيلي هذه الأموال إلى السلطة إلا بإنشاء مؤسسة للضمان الاجتماعي.
وأضاف الدقران: "بعد تشكيل مؤسسة الضمان الاجتماعي لابد من تحويل الاحتلال الأموال المتراكمة في وزارة المالية الإسرائيلية التي تقدر حتى سنة 2012م بـ16 مليار دولار، فالعائد من هذا المبلغ يغطي 250 ألف أسرة سنويًّا براتب شهري 2000 شيكل".
وأكد أنه كان لزامًا على السلطة أن تنشئ صندوق الضمان الاجتماعي مبكرًا للاستفادة من الأموال المتراكمة لدى الاحتلال وإعطائها أصحابها الحقيقيين، مستدركًا: "لكن الحكومة لم تتخذ أي إجراء يتلاءم مع حقوق الشعب الفلسطيني، ولابد لها من الاستجابة للجنة الوطنية بتعديل مواد القانون، وأن تقلل من تدخلاتها في هذه المؤسسة، خاصة مع انعدام الثقة بين الحكومة والشعب".
ولفت إلى أن تجربة المواطنين مع الحكومة فيما يتعلق بأموال صندوق التقاعد الفلسطيني للقطاع العام الذي سيطرت على 5 مليارات دولار من أمواله بذريعة مرورها بأزمات مالية أفقدها الثقة، وجعل الجميع متخوفًا من تكرار التجربة نفسها مع أموال الضمان الاجتماعي.
وشدد الدقران على ضرورة نزول السلطة وحكومتها عن الشجرة، والاستجابة لمطالب الشعب فيما يخص قانون الضمان الاجتماعي، خاصة أن هذه المؤسسة مستقلة في القانون ولها استقلالها المالي والإداري، ولا يجوز للحكومة التدخل في حيثيات المؤسسة إلا جهة رقابية للحفاظ على أموال الناس.
مطالب مشروعة
من جهته ذكر الخبير الاقتصادي المتحدث الإعلامي باسم الغرفة التجارية في قطاع غزة د. ماهر الطباع لـ"فلسطين" أن المجتمع الفلسطيني ليس ضد قانون الضمان الاجتماعي، أو ضد توفير حياة كريمة وتأمين متطلبات عيش كريم للعمال نظير أعمالهم.
"لكن هذه الفئة من الناس لديها مطالب مشروعة تتلخص في تعديل القانون ليناسب ظروفهم والواقع الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية، خاصة أن هناك العديد من التساؤلات عن القانون، ولم يجد المحتجون عليه أي إجابة عنها حتى الآن" استدرك الطباع.
وبين أن القانون لم يتطرق إلى طبيعة الجهة المسؤولة المكلفة بتوفير حياة كريمة للعاطلين عن العمل، أو الجهة المسؤولة عن توفير شبكة أمان اجتماعي لهم ولأسرهم لتحميهم من الفقر.
وأضاف: "ولم يوضح القانون من سيتحمل المصاريف التشغيلية لمؤسسة الضمان الاجتماعي التي تقدر بنحو نصف مليون دولار سنويًّا، إضافة إلى أنه لا يوجد عدالة جغرافية في توزيع أعضاء مجلس إدارة المؤسسة البالغ عددهم 18 عضوًا، إذ اختير 3 أعضاء فقط من قطاع غزة، منهم وزير العمل (مأمون أبو شهلا)".
وأشار الطباع إلى أن القانون لا يوفر أي حماية للعمال والموظفين، لذلك من الضروري تأجيل العمل به، وعرضه فورًا للحوار المجتمعي, خصوصًا أنه لم يناقش في قطاع غزة قبل صدوره.
وأكد ضرورة مراجعة العقوبات المشمولة بالقانون، إذ تضمنت مبالغ مرتفعة تتكبدها منظمات أصحاب العمل، والأصل في العقوبات التوجيه والتوعية، لا الانتقام أو القضاء على المنشآت المتناهية الصغر والصغيرة، صاحبة الانتشار الأوسع في فلسطين.
ولفت إلى أهمية العمل وصب جهد الأطراف مجتمعين ومنفردين في اتجاه التوعية والترغيب في الانضمام إلى منظومة الضمان الاجتماعي، بتقديم نظام واقعي ينسجم مع قدرات المنشآت من أصحاب العمل لتنفيذه والالتزام به، وهو ما يعد الأساس الأول والأخير في نجاح هذه المنظومة المهمة.