فلسطين أون لاين

​"أمجد" بُعث من الموت لتبتر قدمه 3 مرات

...
غزة/ إسماعيل نوفل:

نقلت سيارات الإسعاف "أمجد" بسرعة كبيرة إلى مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، لخطورة إصابته الناتجة عن رصاصة "غادرة" من بندقية الاحتلال أثناء مشاركته في مسيرات العودة السلمية، وما هي إلا ساعات حتى التهم غطاء الكفن جسده الطفولي، وأذاعت وسائل الإعلام خبر استشهاده.

واجتمعت عائلة أمجد حسين (16 عامًا) حول جسد ابنهم الملقى على أحد أسرة المشفى، وتعابير الألم والفقدان بادية على تصرفاتهم ووجوههم، ولكنّ صوتًا سُمع وقتها أراد أن يعبر عن قدر الله "ما زال قلبه ينبض".

طلق متفجّر

يجلس علاء حسين (32 عامًا) على كرسي بلاستيكي، وعيناه الحزينتان تنظران نحو ابنه المستلقي على السرير، وتحاول ذاكرته استرجاع ذلك "اليوم الأليم الذي لن ينساه" كما وصفه، في محاولة لسرد أحداثه لمراسل صحيفة "فلسطين".

اعتاد علاء وبصحبة ابنه "أمجد" -من معسكر جباليا شمال القطاع- على المشاركة في فعاليات مسيرات العودة السلمية منذ انطلاقها في 30 مارس لهذا العام، ولكن كان لجمعة "انتفاضة القدس" بتاريخ الثاني عشر من أكتوبر وقعٌ خاص على حياتهم.

وبعد وصولهما إلى منطقة أبو صفية شرق جباليا افترق كلٌ في سبيله، وبعدها وقف أمجد بجانب المنطقة المخصصة للإسعاف ينتظر أباه حيث اتفقا، ولكن رصاصة متفجرة من قناص الاحتلال أصابته في فخذه اليمنى، وأردته على الأرض، "لم يكن يحمل معه أي شيء لا رصاص ولا حجر" قالها الأب ووجهه ملبّد بالحزن.

وتابع ابن قرية الجسير - تقع إلى الشمال الشرقي من غزة- "إحنا بنشارك في مسيرات العودة بطريقة سلمية عشان نطالب بأراضينا التي سرقها الاحتلال منا، ولكن الاحتلال يقابل هذه السلمية بالجرائم والإرهاب".

وأكمل علاء: "لم تكن إصابة ابني مستبعدة خلال مشاركته، فقد أصيب شقيقي بقدمه اليمنى قبله بجمعتين"، متابعًا: "سنستمر في المشاركة حتى نيل حقوقنا وعودتنا إلى بلادنا التي هجّر أجدادنا منها, وإن رصاص الاحتلال لن يخيفنا".

وذكر علاء أن شقيقته علا حسين (30 عامًا)،أصيبت أيضًا بعد أسبوعين من إصابة نجله، خلال مشاركتها في مسيرات العودة السلمية.

بُعث لتبتر قدمه

ومع نزول نجله من سيارة الإسعاف في مجمع الشفاء الطبي انتشر خبر وفاته عبر وسائل الإعلام، بعد توقف قلبه هنيهة من الزمن، فكاد أبوه المصاحب له أن يفقد وعيه، لولا صوت آخر أنعشه "ما زال قلبه ينبض"، أطلقها أحد الممرضين.

دخل أمجد قسم العمليات لثماني ساعات متواصلة، قدّم فيها الأطباء ما يستطيعون للحفاظ على نبض قلبه الضعيف، وقدمه التي كادت تقطع مع دخول الرصاصة جسده، لولا الجلد الذي تشبّت بجزأيها حتى لا ينفصلا كما وصفها الأب.

وبعد عدة عمليات استطاعوا تنظيف بعض السموم التي انتشرت في قدمه جراء رصاصة الاحتلال، وتوصيل بعض الأوعية، وتركيب شريان صناعي له، نجح الأمر واحتفظ أمجد بقدمه لما يقارب الأربعين يومًا، كان خلالها ملقى على ظهره في المشفى لا يقوى على الحراك.

ولكن فرحة أمجد وعائلته لم تدم طويلًا، اشتدت الالتهابات في قدمه بسبب السموم التي لم يستطع الأطباء إزالتها، ولم يجدوا حلًا إلا بتر قدمه خشية المضاعفات.

بتر الأطباء قدمه اليمنى على ثلاث مراحل، أولها في 25/11 الماضي أسفل الركبة بسنتيمترات، ولكن حالته لم تتحسن فاضطروا بعد ثلاثة أيام إلى قطعها من الركبة، وبعد قليلٍ من الأيام لم يكن عند أمجد أي تحسّن في صحته بعد عملية البتر الثانية فكان خيارهم بترها من منطقة الإصابة فوق الركبة بعشرة سنتيمترات.

أمجد حسين ترك دراسته منذ الصف التاسع ليعين أسرته المكونة من خمسة أفراد التي تعاني من ضيق العيش، والتي تقطن في بيت لا يتعدى الـ (50 مترا) مقتطع من بيت والد علاء.

كان أمجد يقضي جلّ يومه قبل إصابته في عمله في حرفة "ميكانيكا سيارات" في إحدى الورشات في معسكر جباليا، ويتقاضى أجرًا زهيدًا، ويلعب كرة القدم التي يحبها مع أصدقائه في الحي عند توفر الفرصة.

وأمجد الآن بحاجة لمساعدة الجمعيات الخيرية ومؤسسات حقوق الإنسان في تركيب طرف صناعي له ليستطيع إكمال حياته طبيعيًا كباقي الأطفال في سنه.