الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد..
فدعونا نتوقف في أكثر من مقال مع حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم في صحيحه ، يحذر فيه النبي صلى الله عليه وسلم المسلمَ من صفات خطيرة تجعل صاحبها منافقاً خالصاً، ومن يتصف بإحداها يكون فيه صفة من صفات المنافقين حتى يتركها ويدفعها عنه ولا يعود إليها وهذه الصفات هي: الكذب في الحديث، والغدر في المعاهدة، والخلف في الوعد، والفجور في المخاصمة، والخيانة في الأمانة حيث روى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا. وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ"" دعونا في هذا المقال نوضح بعض الألفاظ الواردة في الحديث ونذكر بعض اللطائف البيانية، فقد بدأ النبي صلى الله عليه الحديث بقوله:" أربعٌ من كن فيه" وهذا أسلوب تشويق يدفع السامع إلى طلب معرفة هذه الخصال الأربعة. واستعمل الماضي بقوله(كُنَّ) ليعبر عن تمكن هذه الخصال منه وإنها أصبحت حقيقة فيه. وبين ابن فارس رحمه الله معنى النفاق في اللغة بقوله : في مادة نفق: النون والفاء والقاف أصلان صحيحان، يدلُّ أحدهما على انقطاع شيء وذهابه، والآخر على إخفاء شيء وإغماضه. فالأول: نَفَقَت الدابةُ نُفوقاً: ماتت. ونَفَقَ السِّعر نَفَاقَاً، وذلك أنه يمضي فلا يَكْسُد ولا يَقِف، والنَّفَقة لأنها تمضي لوجهها. والأصل الآخر النَّفَق: سَرَبٌ في الأرض له مَخْلَصٌ إلى مكان. ومنه اشتقاق النِّفاق، لأن صاحبَه يكتُم خلافَ ما يُظْهِر، فكأن الإيمان يخرُج منه، أو يخرج هو من الإيمان في خفاء. ولذلك فالنفاق اصطلاحاً كما قال ابن الأثير: "هو الذي يَسْتُر كُفْرَه ويظْهر إيمانه".
ومعنى خالصاً كما قال ابن فارس في مادة خلص: الخاء واللام والصاد أصل واحد مطَّرد، وهو تنقيةُ الشيء وتهذيبُه" . ووصف المنافق هنا بالخلاص يدل على تنقيته من خصال المؤمنين. والخَلَّة: هي الخَصْلة أي فيه شعبة من شعب النفاق أو حالة من حالاته. ومعنى يدعها: أي يتركها. واستعماله فعل (يدعها) بدل (يتركها) ليدلل على وجوب دفعها دفعاً عنيفاً لا مجرد الترك والانسحاب عنها، وفيه إشارة إلى بعض ما يتصل بالنفاق من حيث لصوقه بصاحبه بحيث يحتاج المنافق إلى قوة وعنف للتخلص منه.
•ومعنى كذب: كما قال ابن فارس: الكاف والذال والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على خلاف الصِّدق. وقال ابن عرفة المالكي: "الكذب الإخبار بالشيء على خلاف ما هو به".
والكذب الذي هو علامة النفاق هو الكذب المتعمد الذي يترتب عليه ضرر أما المبالغة في الوصف أو في الإخبار عن أحوال ماضيه مما يخالف الواقع ولا يترتب عليه ضرر فهذا وإن كان كذباً في الصورة وإن كان ينبغي الحذر منه إلا أنه لا يأثم كثيراً بسببه ولا يكون به منافقاً. وهناك حالات يجوز فيها الكذب هي: الكذب على الأعداء والكذب للإصلاح بين الناس ما لم يجر مفسدة والكذب بين الزوجين لدوام العشرة.
قال صلى الله عليه وسلم :" لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِى خَيْرًا ". وقَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزهري : وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِى شَىْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلاَّ في ثَلاَثٍ: الْحَرْبُ، وَالإِصْلاَحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا".
وللموضوع تتمة. والحمد لله رب العالمين