فلسطين أون لاين

بشور: تحول في المزاج الدولي تجاه القضية الفلسطينية

...
معن بشور (أرشيف)
بيروت / غزة - يحيى اليعقوبي

-ينبغي البناء على فشل مشروع إدانة المقاومة بإستراتيجية تصعيد التأييد
-الاحتلال يخسر هيبته الأمنية والعسكرية في المنطقة ويفتقد مرتكزاته الداعمة

-يجب تطوير "مسيرات العودة" وتحويلها لانتفاضة شاملة

-"درع الشمال"محاولة لاستثمار الانقسام اللبناني لخدمة مصالح الاحتلال

يقول المفكر القومي العربي اللبناني معن بشور: إن فشل مشروع القرار الأمريكي بإدانة حركة حماس والمقاومة الفلسطينية، يعبر عن تحول متدرج في المزاج الدولي تجاه القضية الفلسطينية، بعد أن كانت أمريكا في السابق تسيطر سيطرة تامة على الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكانت تحظى مشاريعها بالإجماع إن لم يكن بأغلبية ساحقة.

وأضاف بشور في حوار خاص مع صحيفة "فلسطين"، أن الجديد اليوم هو وجود تمرد دولي على الإملاءات الأمريكية، تأكد ذلك في القرار الإيرلندي الأخير الذي يدين الاستيطان ونال 155 صوتًا، ما يدلل على أن هناك تحوّلًا ينبغي استثماره، وهو التحول الذي لم يكن له أن يتحقق لولا مسيرات العودة، والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني والاعتصامات بالقدس والمواجهات بالضفة الغربية.

إستراتيجية تصعيد

وتابع: "ينبغي أن نبني على فشل المشروع الأمريكي مع القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية إستراتيجية من أجل تصعيد التأييد الدولي للقضية ومحاصرة الاحتلال دوليًّا، لأننا ندرك أن أحد مرتكزات الاحتلال كانت في الدعم الدولي، وهو ما يخسره اليوم كما يخسر هيبته الأمنية والعسكرية في المنطقة".

وبيّن أن استثمار الفشل الأمريكي يكون من خلال تحقيق الوحدة والخروج من الانقسام وتطوير المقاومة الشعبية المتمثلة بمسيرات العودة وبمواجهات الضفة الأسبوعية، للتحول لانتفاضة شاملة بكل فلسطين.

وأشار بشور إلى ضرورة التحرك على مستوى الكتل العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز التي ترأسها فلسطين، من أجل إصدار قرارات مشابهة تدين الاحتلال وتجبره على الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، وتحمي هوية القدس العربية والإسلامية.

ولفت إلى أن التحرك الثالث على المستوى الدولي، حيث إن هناك احتضانًا شعبيًّا متصاعدًا للقضية الفلسطينية، أخره قرار مجلس الطلبة بجامعة نيويورك بمقاطعة كل الشركات الإسرائيلية، فضلًا عن قرار مجلس الشيوخ الإيرلندي بمنع التعامل مع الشركات العاملة في المستوطنات الإسرائيلية.

ويؤكد بشور أهمية التواصل مع دول صديقة سبق لها الوقوف إلى جانب الحقوق الفلسطينية وتجديد التزامها للقضية الفلسطينية، ودعم حركة المقاطعة العالمية للاستثمارات BDS))، التي بات تأثيرها واضحًا وتشكل رأس حربة في عزل الاحتلال على غرار عزل النظام العنصري في جنوب إفريقيا، فضلًا عن الخسائر الاقتصادية التي أحدثتها على الاحتلال، وفشل الاحتلال في ملاحقة الناشطين في حملة المقاطع بعد رفض الاتحاد الأوروبي عدّهم "معادين للسامية".

وحول شكل التضامن العربي مع القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة، أوضح أن هناك دولًا عربية واضحة في الالتزام تجاه القضية، مثنيًا على دور مندوب الكويت الذي كان له الفضل، في رفع نسبة التصويت والموافقة على القرار إلى ثلثي الأعضاء وليس كما رغبت أمريكا بناء على الأكثرية أو (النصف +1).

واستدرك بأن هناك دولًا لم تجرؤ على التصويت لصالح المشروع الأمريكي، لكنها قالت كلامًا ينبغي ألّا يقال "ككلام المندوب السعودي بالأمم المتحدة الذي هاجم المقاومة وعدَّها تشن عدوانًا على الاحتلال، وهو غير صحيح وقلب للحقائق ولا يجوز أن يصدر عن ممثل دولة عربية".

وعن كيفية مواجهة أمريكا في حال أقدمت على تكرار المحاولة، أكد بشور أن ذلك يتحقق بالاعتماد على نفس الأساليب في إفشال المشروع الأخير في إدانة المقاومة، وتوسيع الاتصالات مع الدول التي غابت عن الحضور وعددها 17 دولة، والتي امتنعت عن التصويت وعددها 33 دولة، وإقناعها بالتصويت لصالح الموقف الفلسطيني، وإقناع الدول التي رضخت للابتزاز الأمريكي كذلك.

إلا أن بشور ذكر أن أمريكا اعتمدت على أمرين في إثارة التباساتها حول المقاومة، مستفيدة من الانقسام الفلسطيني، والمواقف العربية الرسمية التي سارعت للتطبيع مع الاحتلال، وهذا ما دفع بعض الدول لمساندة القرار الأمريكي.

أوراق قديمة

وبشأن الهرولة العربية للتطبيع مع الاحتلال، يعتقد المفكر اللبناني أن الاحتلال يعاني مأزقًا خطيرًا في فلسطين، سواء في مواجهة الشعب الفلسطيني أو المقاومة في جنوب لبنان وقطاع غزة، ويحاول أن يقنع نفسه أنه ما زال قويًّا.

ونبّه إلى أن الاحتلال لجأ لاستخدام أوراق قديمة كانت بيده منذ زمن، تكمن بالعلاقات الإسرائيلية مع دول الخليج المستمرة منذ أعوام 1994 و1996، وأضاف: "التطبيع السري لم يتوقف يومًا واحدًا مع الاحتلال، لكن الجديد أن الاحتلال بات محتاجًا لهذه الأوراق لتعزيز موقف للرأي العام الداخلي الإسرائيلي، بعد فشله في غزة وسوريا ولبنان، وعلى المستوى الدولي بفشل مشروع إدانة المقاومة".

ومع ذلك ينبه بشور إلى أن التطبيع يضعف القضية الفلسطينية، لافتًا إلى أن المعركة مع التطبيع جزء من المعركة الشاملة ومقاومته جزء من المقاومة الشاملة التي تشهدها فلسطين.

تعثر الصفقة

وحول صفقة القرن، قال: "مما لا شك فيه أن صفقة القرن ليست جديدة، وهي تتويج لقرن من الصفقات والمشاريع التي تحاول تصفية القضية، وإنهاء حقوق الشعب الفلسطيني، لكن القائمين على المشروع في صيغته الجديدة لم يجرؤوا حتى الآن على الإعلان عنها"، مشيرًا إلى أن الصفقة تتعثر بسبب الإجماع الفلسطيني على رفضها، كما أن الارتباك في الساحة العربية بين حلفاء أمريكا ينعكس سلبًا على وضع الصفقة، وهذا ما يفسر سبب تأجيلها من قبل ترامب.

ورأى أن الصفقة كمشروع تسوية شاملة كما يسميها الأمريكيون فشلت، لكن هناك إجراءات في محاولة ضرب حق العودة، منذ اعتراف أمريكا بالقدس عاصمة للاحتلال.

وفي السياق ذاته، أشار بشور إلى أن مسيرات العودة حققت إنجازات كبيرة ومهمة، أولًا أنها جاءت ردًّا على القرار الأمريكي وأربكته ميدانيًّا قبل أن تربكه سياسيًّا، وأعادت المكانة للقضية الفلسطينية على جدول أعمال الكثير من الدول المعنية بالقضية، وأحدثت خللًا ورعبًا داخل الاحتلال، فلم يستطِع مواجهتها عسكريًّا أو الصمت عنها سياسيًّا، فلجأ للاستنجاد بدول عربية من أجل وقف استخدام أدوات المسيرات.

وعد ذلك تعبيرًا عن نجاح المسيرات في تحقيق أهدافها، وكل مواطن فلسطيني وعربي يشعر أن رفع الحصار بات قاب قوسين أو أدنى.

العودة و"درع الشمال"

ولفت النظر إلى أن المسيرات ألغت جوهر صفقة القرن (إلغاء حق العودة) ووضعت الحق في مساره الصحيح، وحققت نتائج مبهرة تتناسب مع التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني، وكشفت للعالم وحشية التعامل الإسرائيلي، والتحولات الجارية بالعالم ما كان لها أن تكون لولا المشاهد التي يسطرها أبناء غزة.

وعن الارتباك في الساحة السياسية الإسرائيلية، يرى أن الاحتلال الإسرائيلي في حالة انحدار يعبر عن نفسه في إرباك، "وغدًا سيعبر عن نفسه بما هو أكثر من ذلك، فكان وجوده مصطنعًا يعيش بحقن مصل، مفعولها يتقلص والتناقضات الداخلية الإسرائيلية تزداد، حتى أن الفرد الإسرائيلي لم يعد مقتنعًا أن الاحتلال قادر على الاستمرار".

وفي الإطار ذاته، عدّ عملية (درع الشمال) التي تستهدف أنفاق حزب الله جنوب لبنان، محاولة من نتنياهو للهروب للأمام من الارتباك الذي يعيشه بسبب ملفات الفساد التي تطارده، "لذا يسعى لفتح معركة بلبنان مستغِلًّا الانقسام اللبناني، لكنه سيفشل ولن يسمح له اللبنانيون أن يستثمر الانقسام لخدمة مصالحه".