أرغم العدو الإسرائيلي على القبول بالتهدئة بعد أن أدرك قدرات المقاومة الفلسطينية، وحجم المفاجآت التي قد توقع جيشه في شرك غزة، لذلك تجرع قادة العدو الإهانة العسكرية التي صفعت وجاهة جيشه، وتسببت في إقالة وزير حربه.
فما هي قدرات المقاومة الفلسطينية التي لا يعرفها العدو الإسرائيلي؟ أو ماذا تمتلك كتائب القسام بالتحديد من مفاجآت ستتألق معها في أي مواجهة قادمة؟
أزعم أن تهديدات قائد حركة حماس في غزة يحيى السنوار لم تأتِ من فراغ، ولا سيما حين استعان بقائد كتائب القسام محمد ضيف، ونائبه مروان عيسى في أثناء إلقاء كلمته في حفل تأبين شهداء الشرقية، الاستعانة بالعسكريين الفلسطينيين الذين لم يبرحوا حدود غزة، تعني التأكيد أن التهديد لم يكن بهدف التهويل، أو خلق التبرير للعدو كي يمارس عدوانه، وإنما جاء كي يردع العدو عن المجازفة بأي عدوان ستكون له نتائج مدمرة على أهل غزة، ولكنها ستكون مدمرة ومرعبة على العدو الإسرائيلي الذي تعود القتال بعد أن يؤمن جبهته الداخلية.
إن تربع رجال القسام على أكتاف العاصمة الاقتصادية للصهاينة تل أبيب لم يعد مفاجأة، لقد سبق أن قصف شباب فلسطين تل أبيب، ومن يستطِع قصف مطار اللد، يستطيع أن يقصف مفاعل ديمونة، ومنصات حقول الغاز في عرض البحر، ومحطات توليد الطاقة، وبقية المدن الإسرائيلية، وكل هذا وفق تقديري يدخل ضمن الحسابات الإسرائيلية، ولا يشكل مفاجأة.
إن ما يخشاه الجيش الإسرائيلي هو ذلك السلاح الذي لم تفصح عنه كتائب القسام بعد، ولم تزج به القيادة في المناوشات السابقة، واحتفظت به سرًّا إلى لحظة المنازلة الكبرى إن فرضت، وهذا السلاح لا يقف عند حدود تطوير شبكة الأنفاق التي تضاعف عددها عن السنوات السابقة، ولا هي مقتصرة على العبوات الناسفة، والكمائن التي ملأت الأرض والآفاق، ولا هي مقتصرة على القوات المحمولة، والقدرات البحرية المميزة تدريبًا وقدرة إبداعية، ولا يقف سلاح كتائب القسام عند الاقتحامات والسيطرة على مواقع عسكرية، والانسحاب منها كما جرى في عدوان 2014، ولن يقتصر فعل كتائب القسام على تشويش عمل القبة الحديدية، وإطلاق الطائرات المسيرة ذاتيًّا، وإنما هنالك ما هو أكثر من صاروخ الكورنيت، وقذائف 135، والمعدات الثقيلة التي أطلقت منها الكتائب خمسة صواريخ فقط في آخر اشتباك مع العدو، وإنما قد يكون هنالك مفاجآت أخرى لا يعلمها إلا الله وقادة كتائب القسام، وتعجز كل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عن معرفتها، وإن اجتهدت في تقديرها، وتوقع تأثيرها، وافترضت أنها ستكون أسلحة أكثر دقة، وأكثر تدميرًا، أو مضادات للطائرات أو للدروع أو للأفراد، أو حتى طائرات معبأة بالبارود، وقادرة على تحييد أهدافها بدقة، مع ترك باب التوقع مفتوحًا على كل احتمال.
سلاح كتائب القسام المجهول فرض على العدو الإسرائيلي التجسس والتلصص على المقاومة، والمغامرة في إرسال وحداته الخاصة إلى قلب غزة، كي يعرف السرّ، ويكتشف ذلك المجهول الذي يعجز الجيش الإسرائيلي، ويحول دون تحقيقه أي انتصار على أرض غزة.
وما أكثر ما تخبئه كتائب القسام لقادم الأيام! والتي من أهمها بناء الإنسان الفلسطيني العقائدي المعبأ إرادة، والواثق بالنصر، والمنضبط الذي يعرف مهماته، ولديه كامل القناعة بأنه صاحب العقيدة السماوية، وأنه يدافع عن وطنه ودينه وعرضه وحقه المغتصب.
لقد أعدت كتائب القسام الإنسان الذي ازداد ثقة بنفسه، وبقيادته، وبعدالة قضيته، وهذا هو السلاح الأهم في أي معركة قادمة، سلاح الكتائب الذي يثير الرعب في نفوس جيش الصهاينة، وهم يصرخون هربًا من مواجهة هذا الجيل المحرض على القتال، والمستعد للتضحية.
تقول الرواية الإغريقية القديمة، والمعروفة بعقدة أوديب: إن الوحش الذي سيطر على المدينة وأهلكها بالتخويف والرعب، كان يطرح على من يبارزه من الأبطال سؤالًا واحدًا، فإن عجز عن الإجابة عنه، يقتله بسهولة ويسر، وهكذا قتل الوحش كل المبارزين له حتى جاء الملك أوديب، وتحدى الوحش العملاق، واستعد لملاقاته بكامل ثقته بنفسه، وبسلاحه:
سأل الوحش الملك أوديب: من الذي يمشي في الصباح على أربع، ويمشي في الظهيرة على اثنتين، ويمشي في المساء على ثلاثة؟
ابتسم الملك أوديب، وقال: إنه الإنسان، الخليفة في هذه الأرض، إنه يحبو صغيرًا على أربع، ويستقيم على قدميه في صباه، ويتوكأ في الشيخوخة على عصاه.
لقد انتصر الملك أوديب على الوحش حين فك اللغز، واكتشف قدرة الإنسان على صناعة المعجزات، وتحدي الأهوال، الإنسان الواثق من النصر، والمؤمن بأن الله قدر له أن يكون خنجرًا في صدر أعداء البشرية، وهذا هو أحدث سلاح روحي طورته سرًّا كتائب القسام.