وصول قوات الاحتلال إلى قلب المدن الفلسطينية في الضفة الغربية وخاصة وسط مدينة رام الله، مشهد يحاول الاحتلال من خلاله، وفق مراقبين، إذلال وإهانة السلطة الفلسطينية كون هذه المنطقة مصنفة "أ" وهي خاضعة للسيطرة والسيادة الفلسطينية حسب اتفاق "أوسلو" الذي لم يبق منه إلا الحبر على الورق الذي كتب عليه نتيجة ممارسات الاحتلال.
واقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مساء أمس، مقر وزارة المالية بمدينة رام الله، وصادرت أجهزة تسجيل الكاميرات، كما اقتحمت مقر وكالة وفا للأنباء التابعة للسلطة، إلى جانب اقتحام محال تجارية حيث شرع بمصادرة أجهزة تسجيل الكاميرات.
إذلال وإهانة
يقول أستاذ الإعلام بجامعة بيرزيت د. نشأت الأقطش: إن الاحتلال لم يتوقف عن الاقتحامات في أي يوم لمدن الضفة، ولم يحترم شرعية السلطة، وأنه على مدار التاريخ لا يفهم إلا لغة القوة، يركع ويرضخ للقوي ولا يحترم الضعيف.
ويعتقد الأقطش في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن قوات الاحتلال تسعى لإذلال السلطة، والإمعان في إذلالها أكثر فأكثر، وهي تعلم أنه لا يوجد خيارات أمام السلطة إلا أمرين: الأول أن يتحد العالم ويدعم السلطة ضد الاحتلال وهذا لن يحدث لأن العرب أنفسهم يدعمون الاحتلال من خلال التطبيع الحاصل.
والأمر الثاني، وفق الأقطش، "هو أن توقف السلطة سياسة التنسيق الأمني وتتمرد على العمل الأمني معه، وهنا تمكن الخطورة، لكن يبدو أن الاحتلال مطمئن أن تلويح السلطة بوقف كافة أشكال التعاون معه من قبل السلطة غير حقيقي ولا يمكن تطبيقه".
ويرى أن وصول قوات الاحتلال إلى مسابقة تبعد 150 مترًا من منزل رئيس السلطة محمود عباس في مدينة البيرة، موقف يطال السيادة الفلسطينية، معتقداً أن هذه الاقتحامات المستمرة ستعمل على غليان الضفة، وتستنهض الكثير من القيادات الوطنية التي ترفض الخنوع لهذا الواقع.
واستدرك الأقطش: "قد تنقلب الأمور في أي لحظة رأسا على عقب في الضفة الغربية، لأن الكثير من الوطنيين لن يصمتوا على هذه المرحلة من الإهانة"، رابطا بين الاقتحامات وزيادة عمليات المقاومة بالطعن والدهس وإطلاق نار التي لم تتوقف منذ عام 2015 مما يؤشر على أن الضفة تغلي".
وصعد الاحتلال الإسرائيلي من اقتحاماته واعتداءاته في الضفة الغربية المحتلة وخاصة مدينة رام الله بعد عملية إطلاق النار التي استهدفت جنود ومستوطنين إسرائيليين قرب مستوطنة "عوفرا" شمالي مدينة رام الله.
حسب المصالح
فيما يقول المختص في الشأن الإسرائيلي فرحان علقم: إن "اجتياح قوات الاحتلال مستمرة في الوصول إلى قلب المدن الفلسطينية، خاصة في المنطقة "أ" التي تخضع للسيادة الأمنية الفلسطينية، ولم يعد للأمن الفلسطيني أي سيادة على أجزاء الضفة الغربية لا في مناطق "أ" أو "ب"، ويتعامل الاحتلال مع هذه التصنيفات وفق مصالحها".
ويرى علقم في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن هناك جملة من الرسائل يحاول الاحتلال إيصالها للسلطة من خلال الوصول لقلب المدن الكبرى وخاصة الوصول لوسط مدينة رام الله، أولها أنه صاحب اليد الطولى، وأن ما يمارسه أصبح أمرا اعتياديا، وأنه لا يمتثل لأي إرادة إلا إرادة مصالحه، ضاربا بعرض الحائط اتفاقية "أوسلو" والقرارات الدولية.
والرسالة الثانية، وفق علقم، للفلسطينيين سلطة وشعبا وفصائلاً أن الاحتلال صاحب رؤية الحل، وأنه صاحب السيطرة على الأرض والمقدرات، وأن اتفاق أوسلو لم يبق منه إلا الحبر على الورق.
ويعتقد أن ما يحدث في الضفة نتيجة لملاحقة السلطة للمقاومة وعدم إطلاق يدها، مما دفع الاحتلال لتغول أكثر والوصول لأي مكان يريده في الضفة، وأن دور السلطة وظيفي فقط لحفظ أمن الاحتلال، متسائلاً: ما الذي يدفع الاحتلال للتوقف عن هذه الجرائم ويحفظ ماء الوجه للسلطة والأخيرة تلاحق المقاومة؟
وأضاف أن الاحتلال يريد سلطة بدون سلطة وإطار بدون صورة ليرسم سياساته داخل هذا الإطار، مشيراً إلى وصول الدوريات الإسرائيلية لقلب رام الله وعلى بعد أمتار من المقاطعة حدث يتكرر وسيتكرر في المستقبل طالما بقيت سياسة السلطة هي التنسيق الأمني.
وبيّن أن هذا يؤشر إلى أن الاحتلال لا يأبه ولا يعنيه من الاتفاقات إلا ما يخدم مصالحه ويوظف الاتفاقيات والسلطة الملتزمة بها، لأداء مهام تصب في مصالحه طوال الوقت.