لا يزال رئيس السلطة محمود عباس يتمسك بخيار التسوية والمفاوضات "العبثية" التي أثبتت فشلها على مدار أكثر من ربع قرن، والمقاومة الشعبية السلمية، دون الالتفات إلى المقاومة المسلحة التي لعبت دورًا مهمًّا في فرض موازين قوى مع الاحتلال الإسرائيلي، بحسب مراقبين.
أول من أمس، عاد عباس لتكرار ذات النهج خلال كلمته أمام المجلس الاستشاري لحركة "فتح"، حينما قال: "نحن لا نؤمن بالسلاح ولا نؤمن بالصواريخ ولا نؤمن بالطائرات واللي بنشتغله أهم بكثير من كل هذا"، في إشارة للعمل السياسي والدبلوماسي والمقاومة الشعبية.
وفي قراءة لهذه التصريحات، فإن مختصين في الشأن السياسي، عدّا ذلك تقليلًا من أهمية العمل العسكري المقاوم الذي أثبت نجاعته على مدار السنوات الماضية، في قلب موازين الاحتلال واستعادة قوة الردع للشعب الفلسطيني.
الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب، يرى أن التخلي عن أشكال النضال الوطني الفلسطيني بما فيها الكفاح المسلح وبالتوازي مع العملية السياسية والدبلوماسية هو "تخلٍّ عن إحدى الوسائل التي شرعتها القوانين الدولية".
ويقول حبيب لصحيفة "فلسطين": إنه في ظل حالة الاستقطاب في الوضع الفلسطيني الداخلي، من الممكن أن تخرج بين وقت وآخر كثير من التصريحات التي تعكس ردود الفعل على هذه الحالة.
ويضيف: "ليست هذه المرة الأولى التي يصرّح بها عباس بذلك، سيّما في ظل مُعطيات موازين القوى القائمة حاليا"، مشيرا إلى أن العمل الشعبي وحده غير كافٍ ولم يحقق أي تقدم باتجاه إنجاز وطني فلسطيني.
ونبّه إلى أن الكفاح المسلح في الوقت الراهن يُعدّل من ميزان القوى، ويُشكّل وجهة نحو إنجاز حقيقي في المرحلة المُقبلة.
وأوضح حبيب أن تركيز عباس على العمل الشعبي في الآونة الأخيرة، يتناقض مع نهج حركة فتح الذي انطلقت به في الستينات من القرن الماضي، تحت شعار "الكفاح الوطني المسلح".
نسف للمقاومة
ويتفق مع ذلك الكاتب والمحلل السياسي د. محمود العجرمي، حيث عد تصريحات عباس "نسفا للعمل العسكري والمقاوم.
ويوضح العجرمي لـ"فلسطين" أن عباس يحاول تجاهل النتائج الصفرية التي حققتها ما تُسمى "مسيرة التسوية"، التي وصلت لجدارها النهائي وأضاعت غالبية الأرض الفلسطينية وشطبت قضية اللاجئين وغيرها من القضايا الوطنية الأخرى.
ويقول: "عباس يعلم أن المقاومة نجحت في مراكمة نقاط قوة وفرضت تآكلًا لقوة الاحتلال والحصار الذي يستمر أكثر من 12 سنة والعقوبات التي يفرضها على شعبنا".
وبحسب قوله، فإن عباس يعي تمامًا أن المفاوضات لم تكن شكلا من أشكال النضال في تاريخ حركات التحرير التي انتصرت وتقيم اليوم دولا حرة مستقلة، "فهو يغرد في سربه بعيدًا عن وقائع الحياة الراهنة"، وفق تعبيره.
ويرى العجرمي أنه في ظل التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية، فإن المخرج الوحيد لحل القضايا الفلسطينية العالقة هو إعادة اللحمة الوطنية، والدعوة إلى عقد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير وإعادة ترتيب المنظمة على أسس ديمقراطية، إضافة إلى وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال وإلغاء اتفاقية أوسلو.
تهديدات عباس
وحول تهديدات عباس لحركة حماس في المجلس الاستشاري ذاته حينما قال: "سنتخذ 3 إجراءات مع أمريكا و(إسرائيل) وحماس وبيننا وبين حماس قضايا كثيرة"، لفت إلى أن عباس يُركز خلال أحاديثه المتكررة منذ قرابة عام على توجيه التهديدات بشكل خاص لحركة حماس، في حين أنه يتحدث عن علاقة السلطة مع الاحتلال والإدارة الأمريكية بـ"لغة هادئة".
وبالعودة إلى حبيب، فإنه يعتقد أن عباس يقصد بالتهديد الأخير الإقدام على قراره الخطير بحل المجلس التشريعي، كونه يظن أنه يُشكّل ضغطا على حركة حماس دون النظر لعواقبه الوخيمة.
وبحسب حبيب، فإن الإقدام على هذه الخطوة وغيرها من الخطوات العقابية الأخرى سيعمّق الانقسام ويحوّله إلى انفصال دائم وعقبة إضافية تضاف للعقبات الموجودة أمام استعادة الوحدة الفلسطينية، وهو "أمر بالغ الخطورة".
ويضيف أنه "كان الأولى على عباس تعزيز الديمقراطية من خلال الدعوة لانتخابات تشريعية ورئاسية في ظل الحالة الفلسطينية المتشرذمة"، لكّنه لم يستبعد إمكانية إقدام رئيس السلطة على خطوات أخرى غير حل التشريعي.
وكان عباس قد هدد بحل المجلس التشريعي الذي فازت فيه حركة حماس بأغلبية خلال الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2006.