فلسطين أون لاين

​لا تجعل الجنسية الأجنبية معول هدم لأسرتك

...
صورة أرشيفية
غزة/ أسماء صرصور:

لماذا دخل الصحفي جمال خاشقجي إلى القنصلية السعودية في تركيا؟ بعيدًا عن أي تجاذبات سياسية لا علاقة لنا بها، فـ خاشقجي توجه إلى القنصلية ليحصل على شهادة إثبات عزوبية ليتزوج خطيبته التركية، وفق القوانين التركية التي لا تجيز للرجل تعدد الزوجات.

خاشقجي ليس أول شخص يحصل على شهادة العزوبية هذه، وتركيا ليست أول بلد تطلبها، فكثير من البلاد التي ترفض قوانينها تعدد الزوجات، تحتم على الشخص الأجنبي فيها الحصول على شهادة إثبات عزوبية من بلاده، تثبت أنه غير متزوج، سواء أكان أعزبَ أو سبق له الزواج، وبعدها يمكنه الزواج من ابنة هذه البلاد!

الشاب (م.س) سافر إلى تركيا دون زوجته وابنه، وبعد مدة من الوقت فاجأ الجميع بتطليقه زوجته عن بعد، وترك ابنه معها، والسبب مشاكل عائلية وعدم قدرة على الانسجام بينهما، وفور طلاقه منها أعلن ارتباطه بفتاة تركية مباشرة.

وفي حالة أخرى طلق (ر.ح) زوجته الفلسطينية دون معرفتها، ليتزوج بأخرى تحمل الجنسية السويسرية، وبعد حصوله على الجنسية، تفاقمت بينهما مشاكل عدة، فهو رجل شرقي معتاد على التعامل بقسوة مع زوجته الفلسطينية، لكن تلك الأجنبية لم تحتمل، وتعرّف على فتاة أخرى تحمل الجنسية الأمريكية، وأيضًا لجأ إلى تطليق الزوجة السويسرية دون معرفتها، لأنه طلقها في بلاده ليحصل على شهادة إثبات العزوبية، لكن محاولاته باءت بالفشل لأن الأمريكية رفضت أسلوب تعامله، ولم يتزوجها!

"فلسطين" حاورت أستاذ الشريعة الإسلامية د. صادق قنديل لتعرف منه الرأي الشرعي في هذه الحالة، وهل يمكن للمرأة مطالبة الرجل بحقوقها، وتفاصيل أخرى تتبع:

الزواج مبني على الاستقرار

الزواج بني على الاستقرار، والزوجة هنا تعرضت للخداع وهدم الاستقرار بتطليق زوجها لها، يقول د. قنديل: "طلاق الرجل زوجته بهذه الطريقة، ولهذا السبب –الحصول على جنسية البلد المضيف- ظلم واضح ولا شك أنه حرام شرعًا"، مرجعًا ذلك إلى أنه إضرار بالزوجة الأولى بلا حق، والزوجة بعد قبولها بالزواج من هذا الرجل عقدت آمالًا ترجو أن تحققها بهذا الزواج بل وتشعر بأن أحلامها قد تحققت، ثم يأتيها بعد ذلك هذا الزوج بخبر الطلاق وبهذه الطريقة التي هي ليست مبررة عندي ولا تليق بمسلم.

ويشدد على أنه لا يتصور أن عالمًا سيفتي للرجل لأجل المحافظة على مصلحة في البلد الأجنبي؛ أن يتلاعب بمصالح الزوجة العربية، وأن ينسف آمالها وأحلامها، وإذا لم يكن هذا من الفعل المحرم فما معنى الزواج وبناء أسرة قوامها المودة والرحمة؟ بل هذا التصرف من أبغض التصرفات عند الله.

ويلفت إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" فهو حلال، لكنَّ الله يبغضه، لما فيه من ضرر بالمرأة، مضيفًا: "ولا شك أن مثل هذه التصرفات من أعظم الإضرار بحق الزوجة، ولا أظنه يقبل إن كان الذي أقدم على هذا الفعل زوج ابنته أو أخته، وإن قبل فهو شخص أناني يحب نفسه".

وبسؤاله: "هل يكون هذا طلاقًا بالإكراه، أي أنه لتحقيق منفعة ومن بعدها يكون الرجل مثلاً في حل من الزوجة الأجنبية؟"، يجيب: "المسلم في تصرفاته وسلوكه يجب أن يكون في أعلى درجات الأمانة والمصداقية والشفافية والنزاهة، فلا يجوز بأي حال من الأحوال التلاعب بمصالح الآخرين ليصل إلى مبتغاه الشخصي"، مشيرًا إلى أن الحياة الزوجية قائمة على الصراحة، ولا يعد هذا من باب الإكراه بأي حال من الأحوال، فهو من أراد ذلك سعيًا لتحسين وضعه في بلد أجنبي.

التأقيت في الزواج

وبين أن الرجل إن اتخذ الزوجة الأجنبية وسيلة يضحك عليها، ويعطيها من الوعود الوردية، وهي في قناعتها تنظر إليه على أنه مسلم أو ابن قضية عادلة مشهورة كفلسطين، ثم تخرج بانطباع سيئ عن الإسلام والمسلمين، فلا شك أن إثمه عظيم، مضيفًا: "وكما سعى ليبحث عن بدائل أخرى فخرج من بلده لبلد أجنبي بإمكانه أن يسعى أكثر والله يصلح حياته بسلامة نيته وصفاء سريرته والأرزاق بيد الله".

أما فيما يتعلق بالحكم الشرعي من زواج الرجل من الأجنبية بالنية المؤقتة بداخله غير المعلنة وغير المقيدة بشروط في عقد الزواج، فيقول عنه: "الزواج المؤقت على صورتين، إما أن يذكر التأقيت في العقد، فهذا ما يعرف بزواج المتعة وهو حرام عند جمهور العلماء"، أو أن يكون –وفق قوله- بنية الطلاق، وهذا أيضًا الراجح فيه أنه حرام لأنه يتنافى مع مقاصد الزواج، لا سيما أنه في نيته أن يطلق، وهو عاقد العزم لكنه لم يذكر ذلك في العقد كما في زواجه من الأجنبية للحصول على الجنسية.

ويزيد أن الإسلام لا يعرف الكذب، ولا يجوز للمسلم أن يكذب لا على مسلم ولا على كافر؛ ليتحصل مآرب شخصية هو يريدها، وبسبب تلاعبه بالقانون واكتشاف أمره مستقبلًا من الدولة الأجنبية ستخرج هذه الدولة بانطباع سلبي عن المسلمين.

وينبه إلى أنه قرأ تقريرًا لدولة أجنبية، تذكر الإحصاءات كيف أن المسلمين يزورونها في سبيل تحسين أوضاعهم في هذا البلد الأجنبي، وكانت انطباعات تلك الدولة عن المسلمين سلبية، بل زادت من سخريتهم بالإسلام، متابعًا: "وعليه فمن يفعل ذلك إثمه مضاعف؛ لأنه شكل سمعة سيئة عن إخوانه المسلمين في كل مكان، وزاد من إجراءات إضافية تتخذها الدولة الأجنبية تلحق الضرر بعوام الجالية المسلمة".

سلوك ترفضه الشريعة

وفي بعض الأحيان، لا تعرف المرأة أن زوجها طلقها، والسؤال هنا: "ما هو الحكم الشرعي في هذه الحالة؟"، يعلق بقوله: "إن طلق الزوج زوجته دون علمها، فالطلاق يقع عند الفقهاء، لكن لا بد أن تعلم الزوجة بأمر طلاقها، وهذا من حقها".

ويتابع: "وعليه إما أن يكون الزوج فعل ذلك، وهو لا يريد أن يلحق ضررًا بزوجته، فهذا لا حرج فيه"، مستدركًا: "لكن إن كان يريد أن يفعل ذلك قطعًا لمساعي الصلح، أو أنه فعل ذلك تحقيقًا لشرط من يريد أن يتزوج منها؛ لأنه علقت رضاها بتطليقه لزوجته الأولى، فإن كان لهذه الأسباب ولغيرها فلا شك أن هذا التصرف ترفضه الشريعة وهو غريب على سلوك الرجل الذي يعرف بالرجولة والشجاعة".

ويوضح أنه بخصوص العلاقة بينهما؛ فهي على أساس العقد الشرعي بينهما، وبموجبه لهما حقوق وعليهما واجبات تجاه بعضهما البعض؛ لأن الزواج رسالة ولمكانته جعله الله مقدسًا وميثاقًا غليظا، وذكر قوله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".

ويتابع: "أساس العلاقة قائم على العقد، فإذا انتهى وطلقها زوجها طلاقًا لا يتمكن من مراجعتها إلا بعقد جديد، فهذا يعني أنها تصبح أجنبية عليه، وعليه لا يجوز له أن يتعامل معها على أساس أنها زوجته بل يتعامل معها كما يتعامل مع كل النساء المحرمات عليه".

الحقوق لا تسقط بالتقادم

وماذا عن حقوقها الشرعية، كيف يمكن للمرأة أن تحصل عليها حال طلاقها؟ سواء كانت في بلادها أم ترافقه في البلد الأجنبي؟، يقول: "ليعلم الزوج أنه لا يجوز له أن يتعسف في تطليق زوجته، وإن كان من سبب للجوء إلى الطلاق، ولم تستقم الحياة الزوجية بينهما، وانقطعت كل مساعي الإصلاح، وسدت الأبواب، وأصبح الاستمرار في الحياة الزوجية استمرارًا في الجحيم".

ويبين أنه ليعلم الزوج بعد تطليق زوجته أن لها حقوقًا، فإن كانت عاملة أو غير عاملة، أو أخذ من مالها الخاص بها والخالص لها، أو لم يفها حقها في المهر، أو كان يسكن في بيتها، فكل هذا الحقوق يجب عليه الوفاء بها، وكذلك إن كان بينهما أولاد، فلا يجوز له أن يحرمها أولادها، ويتبع في ذلك ما تنص عليه المحاكم الشرعية أو الجهات الخاصة في البلد الأجنبي، مشددًا على أنه لا يجوز له أن يلحق بها الضرر لقول الرسول: "لا ضرر ولا ضرار"، ومنها ألا يسرع في أمر طلاقها لقوله تعالى: "فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ".

لكن هل هناك وقت محدد للمرأة يمكنها فيه أن تطالب بحقوقها الشرعية من طليقها، أم أن حقوقها ذهبت أدراج الرياح؟، يعلق: "لا يوجد شيء اسمه وقت محدد لطلب الحقوق، فالحق لا يسقط بالتقادم في الشريعة الإسلامية، وإن تزوجت المرأة بعد طليقها برجل آخر".

ويشدد على أنه يجب على الزوج إعلام الزوجة، في حال ترتب على عدم إعلامها ضرر، كأن تكون في بلد أجنبي، وتحتاج لاستخراج أوراق أو شهادات يمكن أن تطالب بحقها بناءً عليها حال عودتها لبلدها الأصلية، أو أن تبقى مدة في البلد الأجنبي، لا تسمح لها المدة التي بقيت لها بعد إعلامها بخبر الطلاق فتأمرها سلطات البلد الأجنبي بالمغادرة.

التلاعب بالزوجة حرام

أما عن هل يمكن للرجل رد زوجته مثلاً بعد انتهاء العدة؟ وهل يحق له ردها أصلا؟، يوضح أن هذا السؤال شقه فقهي بحت، وعليه يتبع الحكم الشرعي لنوع الطلاق، فإن كان الطلاق رجعيًا، فله أن يرجعها أثناء عدتها دون الحاجة لعقد ومهر جديدين أو اللجوء للمحكمة الشرعية، يعني بالكلام أو المعاشرة وتحتسب عليه طلقة.

وإما أن يطلقها –يتابع- ويراجعها بعد انتهاء عدتها، وتحتسب العدة بالقروء، لقوله تعالى: "وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ"، والقرء بمعنى الحيض أو الطهر، فإن راجعها بعد انقضاء عدتها فهنا تحتسب الطلقة بينونة صغرى يلزمه عقد ومهر جديدان، وإن طلقها ثلاثًا وحكم القاضي بوقوعها، فهنا لا يجوز له أن يراجعها لأنها محرمة عليه، ولا تجوز له قبل أن تنكح زوجًا غيره؛ لقوله تعالى: "حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ".

يسافر الرجل ويترك زوجته في بلادها آمنة لا تعرف نيته، وبعد مدة تعلم أنه طلقها، أليس من الأولى لها أن تعلم منذ البداية، فيكون بيدها قرارها لتكمل حياتها كما تريد، عوضًا عن أن تكون بيت وقف؟

يلفت إلى أن الزوج إن فعل هذا فهو ظلم واضح، ويحرم على الرجل التلاعب بزوجته، فلها من الحقوق التي يجب على الزوج القيام بها تجاه زوجته، مبينًا أن من الأزواج من يسافر ويترك زوجته شابة من حقها ما شرع الله لها، وعلى الزوج قبل السفر أن يعلم الزوجة بأن سفره لتحسين أوضاع الأسرة الحياتية، أو يطلب منها الصبر لتلحق به بعد مدة.

ويكمل: "وإن صبرها وتنازلها عن حقها في المعاشرة لفائدة ستعود عليها وعلى أبنائها، فهذا أحسن"، مستدركًا بقوله: "أما أن يسافر ثم تطول مدة سفره، ولا يتحادث مع زوجته، ولا يتحمل مسؤولية الأبناء، وتضيع فرصة عمرها، وتعلم خبر طلاقها بعد سنوات من الانتظار والصبر فتصاب بفاجعة شديدة فهذا ظلم واضح".

ويختم بقوله: "لا يعقل أن يكون الإسلام أتى بشريعة تنصف المرأة، ثم يأتي المسلم فيظلمها في التعامل"، وهو ما يتنافى مع المنطق الراقي والخلق السامي ألا وهو حفظ المرأة ورعايتها.