فلسطين أون لاين

​نزال كفيفٌ يقطع يوميًّا 150 كيلومترًا لطلب العلم

...
صورة أرشيفية
قلقيلية/ مصطفى صبري:

الحديث عن الكفيف المتفوق الطالب الجامعي مؤنس نزال (20 عامًا) من مدينة قلقيلية يجعل القارئ يستمتع بقصة نجاح وتفوق، يصنعها طالب كفيف في جامعة بيرزيت تخصص الأدب الإنجليزي والترجمة، فلم تمنعه المسافة البعيدة بين جامعته ومدينته قلقيلية التي تقدر ذهابًا وإيابًا بـ150 كيلومترًا بل أكثر من الالتحاق بها، والاعتزاز بأنها وطنه الثاني.

يقول نزال في لقاء معه لـ"فلسطين": "اخترت جامعة بيرزيت لأنها تُعنى بالمكفوفين"، وهو ما قاله لرئيس الجامعة عن يقينه بأنه يختار جامعة ستكون وطنه الذي يعيش فيه حياته الجامعية والعلمية.

ويضيف: "بعد قضاء 54 ساعة معتمدة مع نهاية الفصل الحالي أستطيع القول إن الجامعة لم تخيب أملي في طلابها ولا المدرسين والإداريين، وفي مقدمتهم رئاستها".

ويتابع: "العوامل التي دفعتني إلى اختيار تخصص الأدب الإنجليزي هي الاقتناع والرغبة والقدرة، ووجود فرصة توظيف له في المستقبل"، مشيرًا إلى أن هذا التخصص يلقى اهتمام الطلاب المكفوفين، ففي الفوج الذي ينتمي إليه ثلاثة طلبة مكفوفين، وفي الهيئة التدريسية أكثر من مدرس من المكفوفين.

ويلفت نزال إلى أن جامعة بيرزيت لديها الخبرة الكافية في التعامل مع الطالب الكفيف، فالمحاضر الكفيف يستمدون منه أمورًا عدة، مثل التقنيات اللوجستية التي يحتاجها الطالب الكفيف، وطريقة التعامل معها، إضافة إلى وجود نادي صديق للطلبة المكفوفين يقدم مساعدة ذات قيمة في طباعة الكتب وتحويلها بعد ذلك إلى طريقة برايل، ويساعدهم عند تقديم الامتحانات، بإرسال مرافقين لهم.

وينبه القارئ إلى أن الطالب الكفيف في الجامعة ليس محدود الحركة، فهو يمارس حياته الجامعية بسهولة، ويتحرك في كل مكان، ويذهب إلى الكافتيريا، ويتنقل بين الكليات والأقسام، ويشارك في الفعاليات العلمية والمحاضرات التطوعية، مضيفًا: "أنا شخصيًّا ألقيت محاضرة للطلاب الجدد في قسم الأدب الإنجليزي، ومحاضرة في التخصص للطلاب".

ويشير نزال إلى أنه بعد تركيزه على التفوق في الدراسة والحصول على مرتبة الشرف أصبح الآن توجهه لفهم القضايا التفصيلية، ليستفيد منها في الحياة العملية، وهو ما يحتاج منه جهدًا مضاعفًا، ليحافظ على مرتبة الشرف، وعلى الفهم الواسع للتخصص.

ويقول: "في شهر تشرين الماضي نظمت مسابقة الحساب العقلي من أربع مراحل، وحصل أحد الطلاب المكفوفين على المرتبة الأولى، وهي مسابقة علمية قيمة، فالإعاقة لا تلغي الطاقة"، مؤكدًا أن الطلبة المكفوفين في جامعة بيرزيت يسيطرون على محطات التفوق والإبداع، وهذه رسالة أن المعاق الفلسطيني يستطيع أن يكون مبدعًا وناجحًا في كل المجالات، فلا عوائق أمام الإرادة.

أما عن رحلته اليومية من قلقيلية إلى جامعة بيرزيت فيقول: "اخترت الذهاب يوميًّا، ولم أختر السكن الداخلي، لاقتناعي أن السفر على التعب الذي يرافقه فيه متعة"، مبينًا أنه يخرج منذ ساعات الفجر الأولى بعد انتهاء صلاة الفجر، ويسير في العتمة مدة تزيد على الساعة ونصف، وتواجهه في بعض الأحيان حواجز عسكرية وأزمة سير خانقة، لكن قراره هو الاستمرار يوميًّا وعدم الالتفات إلى بعد المسافة.

وأخيرًا يقول السائق العمومي وليد طلعت من قلقيلية: "عندما أذهب مبكرًا لنقل الطالب مؤنس من منزله إلى جامعة بيرزيت أشعر بفخر واعتزاز أن الشعب الفلسطيني فيه التحدي والقوة"، لافتًا إلى أن الذهاب إلى جامعة بيرزيت صعب على الأصحاء بسبب الحواجز العسكرية، فحاجز زعترة في بعض الأحيان يغلق، ويضطرون إلى الالتفاف من طرق وعرة، ومع ذلك لا يجد طلعت أي ضجر أو تأفف من مؤنس.