فلسطين أون لاين

​لنموهم الفكري والعاطفي

أفضل هدية لأبنائك امنحهم وقتًا

...
صورة أرشيفية
غزة/ مريم الشوبكي:

عاد رجل لبيته مبكرًا للجلوس مع أبنائه الأربعة، فلما دخل بيته شاهد أبناءه يلعبون معًا، فجلس بقربهم يقرأ كتابًا، وبعد مضي ساعتين شعر أنهم لا يحتاجون إليه، فقام متجهًا إلى الباب، وعندما وضع يده على مقبض الباب جاءته ابنته الصغيرة (سنها خمس سنوات) مسرعة، وقالت له بصوت عالٍ: "إلى أين يا أبي؟!".

فرد عليها: "أريد الخروج لقضاء بعض أشغالي"، فقالت له: "اجلس معنا"، فرد عليها: "ولكني كنت معكم مدة ساعتين، ولم يكلمني أحد منكم"، فنظرت إليه باستعطاف: "بابا، عندما نلعب وتكون أنت جالسًا معنا، وننظر إليك بين وقت وآخر؛ نشعر بالسعادة"، فتأثر الأب بكلماتها وعاد للمنزل.

القرب العاطفي

ونستنج من القصة أن أفضل هدية ممكن أن يقدمها الوالدان لأبنائهما هي الوقت، ففي مضمار حياتنا السريعة وانشغالاتنا التي لا تنتهي ننسى منحهم بعض الوقت من يومنا، فما تأثير ذلك على الأبناء؟

اختصاصي الصحة النفسية إسماعيل أبو ركاب قال: "أفضل هدية ممكن أن يقدمها الوالدان لأبنائهما هي الحنان والقرب العاطفي، ثم الاهتمام، وخاصةً تفهم أفكارهم ومشاعرهم وسلوكياتهم".

وأضاف أبو ركاب لـ"فلسطين": "الأمر الآخر هو زرع الثقة في الطفل، وكما يقال ثق بطفلك يثق بنفسه، ويعد بعض الآباء تلبية الاحتياجات الأساسية من مأكل ومشرب هي كل شيء للأبناء، وعلى أهميتها للنمو العضوي لدى الطفل إنه بحاجة ماسة أيضًا لنموه الفكري والعاطفي ونمو الشخصية".

تفريغ الشحنة

وأكد أهمية منح الأبناء بعضًا من الوقت ليعبروا عن أفكارهم ومشاعرهم بكل حرية، مستدركًا: "لكن -يا للأسف الشديد!- كم من الآباء يعطي العمل طاقته كاملة، ويرى أن وجوده داخل المنزل هو للراحة فقط، ومعه تكثر الممنوعات: ممنوع اللعب، وممنوع التحدث بصوت عال، وممنوع الضحك!".

وحذر أبو ركاب من أن هذه المشكلة تصنع فجوة بين الزوجين أولًا، وهو ما يسمى الطلاق العاطفي، وما لذلك من عواقب نفسية على الأطفال، وأيضًا تؤدي إلى الفقر العاطفي بين الأبناء والآباء، وهو ما يولد كمًّا كبيرًا من المشاكل السلوكية، ومنها: العدوان، والكذب، والسرقة، والتبول غير الإرادي، وقضم الأظفار، وبعض المشكلات النفسية، مثل: الاكتئاب، والقلق من المستقبل، وفقد التركيز والانتباه.

ونبه إلى أن الأبناء يقدرون وقت انشغال آبائهم في العمل، ولكن الذي لا يقدرونه هو الانشغال الدائم عنهم، فوقت عودتهم إلى البيت يعدونه ملكًا لهم للبوح بما بداخلهم من أفكار ومشاعر.

وضرب اختصاصي الصحة النفسية مثالًا: "وقت المساء مهم لوجود الأب والأم فيه؛ لأنه وقت تجمع العائلة بعد المدارس والجامعات والعمل، فكلٌّ يكون مشحونًا خلال النهار، وبحاجة لتفريغ هذه الشحنة"، متابعًا: "ومن الأوقات المهمة كذلك أوقات الإجازات التي يستغلها الآباء في النوم، مثلًا، ولكن يعد الأبناء هذا الوقت فرصة لتغيير الروتين للبدء بأسبوع جديد".

تحمل طلباتهم

بعض الآباء يتحججون بأنهم يعانون ضغطًا في الوقت، وهو ما يمنعهم من التواصل الجيد مع أبنائهم، الاختصاصي نصحهم بوضع برنامج أسبوعي، مثلًا: تخصيص يوم الجمعة لقضائه مع الأسرة، أو وقت ما قبل النوم بساعة أو بساعتين يخصص للجلوس معهم.

وأشار أبو ركاب إلى أنه يجب الاستعاضة عن الوجود معهم خلال النهار -إذا أمكن- بالتواصل عبر الهاتف معهم، والتحدث إليهم حسب الحاجة، أو ما يتطلبه الموقف.

ودعا الآباء المضغوطين في أعمالهم لتحمل كثرة طلبات أبنائهم قدر المستطاع، وأن ينتبهوا ألا يجعلوا أبناءهم الحلقة الأضعف لتفريغ المكبوتات.