شعب المليون ونصف المليون شهيد ليس بحاجة لأن أسرد له حالة العشق بينه وبين شعب فلسطين، تلك العلاقة ترسمها دماء الشهداء، وهذا هو سر الجدل الذي أثاره تصريح لسعادة سفير دولة فلسطين بالجزائر لؤي عيسى، لصحيفة الخبر، نسب خلالها تصريحات للشيخ الجليل الشهيد المقعد أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تسيء للشيخ شخصياً فاعتبرها الجزائريون أنها تسيء لكل جزائري، كما أنها لاقت استياء كبيرًا في الساحة الفلسطينية وجدلًا صاخبًا دفع السفارة الفلسطينية لإصدار بيان توضيحي بتاريخ 4/12/2018م.
بدأت الحكاية عندما قرر سعادة السفير الفلسطيني لؤي عيسى والمستشار الاعلامي للسفارة زيارة لصحيفة الخبر الجزائرية بتاريخ 6/11/2018م، وبدأ السفير بسرد تاريخي للثورة الفلسطينية لكادر الصحيفة، وخلال حديث السفير لؤي عيسى عن الشيخ أحمد ياسين حسب ما نقلت صحيفة الخبر في عددها الصادر يوم 30/11/2018م، تحدث عيسى: "أن الشيخ ياسين لما قبض عليه من قبل إسرائيل وسألوه عن السلاح أجابهم في المحكمة: هذا السلاح ليس ضدكم بل ضد فتح".
توقفت طويلاً عند هذا الفقرة لأني أعلم كم هي عظمة الشهداء عند الشعبين الجزائري والفلسطيني وكل شعوب الأمة، فالشيخ أحمد ياسين وياسر عرفات وفتحي الشقاقي وأبو علي مصطفى والقائمة تطول هم خطوط حمر، ينبغي عند تناول سيرهم التحدث عنهم بموضوعية وبدقة وبحجم تضحياتهم للقضية الفلسطينية.
رفعت سماعة الهاتف للبحث عن الحقيقة، ولا أريد سوى الحقيقة لأني أدرك وأتبنى أن يكون دور سفاراتنا وجالياتنا بالخارج داعم لنضالنا الوطني بالداخل الفلسطيني، وأؤمن بضرورة عدم نقل حالة الانقسام الداخلي لعواصمنا العربية، وأنادي بشكل مستمر بضرورة أن تبقى سفاراتنا بيتاً جامعاً لكل الفلسطينيين بغض النظر عن انتماءاتهم ودياناتهم ولونهم وجنسهم.
اتصلت على سعادة السفير لؤي عيسى وركزت على ما ذكره حول الشيخ ياسين، فرد السفير لؤي بأن هذا الكلام موثق، ونسب حديث الشيخ ياسين لبرنامج شاهد على العصر الذي يقدمه الدكتور أحمد منصور، طلبت من السفير فسحة من الوقت للتأكد من مصداقية القول، فأنا باحث في شؤون حركة حماس، ولم أستمع لتلك المقولة، أبحرت في اتجاهين: الأول عبر محركات البحث، والبحث في مكتبتي وتوجيه التساؤل لعدة باحثين متخصصين أحدهم كان له دور كبير في انجاز عمل موسوعة الشيخ أحمد ياسين، ووصلت إلى نتيجة بعدم وجود أي تصريح للشيخ ياسين يوحي بذلك.
الثاني: انتقلت إلى حلقات شاهد على العصر التي تبث عبر قناة الجزيرة، ويقدمها الاعلامي أحمد منصور، فوجدت رابط الحلقة الذي يتحدث بها الشيخ الجليل الشهيد أحمد ياسين في الجزء الرابع الدقيقة 38، وقال الشيخ أحمد ياسين حول الحادثة التي ذكرها السفير لؤي عيسى نصاً: "كنا نحضر السلاح فانكشفت المجموعة قبل العمل والنكتة أن اسرائيل تريد أن تضرب بالطرفين بدل أن تقول أن السلاح لمواجهتها قالت أن السلاح موجه لمقاتلة المنظمة، وسربت إسرائيل قائمة من خمسين من قيادات منظمة التحرير وروجت أن حماس تنوي تصفيتهم، واخوانا في المنظمة صدقوا هذا الكلام. لكن عند المحاكمة كانت التهمة إبادة دولة إسرائيل".
المقابلة مع الشيخ أحمد ياسين منشورة عبر الرابط الآتي: https://www.youtube.com/watch?v=jT7AzK9-BZ8
بيان السفارة الفلسطينية الذي صدر يوم 4/12/2018م، تحدث أنه من أجل المصداقية والشفافية فإن السفارة جاهزة لتقديم كل ما يلزم ولكل من يريد الحقيقة والتثبت من المعلومات التاريخية التي نشرتها صحيفة الخبر بما فيها موضوع اعتقال الشيخ أحمد ياسين".
وعبر هذا المقال أدعو الإخوة في السفارة الفلسطينية نشر ما يؤكد مصداقية القول حول الشيخ أحمد ياسين عبر صحيفة الخبر الجزائرية، أو عبر أي موقع الكتروني آخر، رغم إدراكي بأن واجب السفارة والسفير ينبغي أن لا يتناول أي أخطاء أو مناكفات تحدث داخل فلسطين أي كانت الأسباب والمبررات.
ربما خان التعبير سعادة السفير لؤي عيسى فما أعرفه عن الرجل أنه رجل وحدة وطنية، ووفقاً لذلك كلفه الرئيس سفيراً في بلد الوحدة الوطنية، تلك الوحدة التي ما زالت خالدة في وعي ووجدان كل حر على هذه المعمورة والتي تجسدت في وحدة كافة الأحزاب والتشكيلات التي تواجه الاستعمار الفرنسي ضمن جبهة التحرير الجزائرية.
إن بيان السفارة الفلسطينية وصف حركة حماس بأنهم شركاء الدرب والمسيرة، هذه اللغة هي التي يجب أن تسود في كافة الساحات، ففتح وحماس واليسار وكافة فصائل العمل الوطني الفلسطيني لهم هدف واحد وهو التخلص من الاحتلال، والاستفادة من التجربة الجزائرية، وحث الجزائر حكومة وشعباً على دعم القضية الفلسطينية فعدونا لا يفرق بين حماس وفتح، ولا بين فلسطيني وجزائري، فأطماعه تجاوزت كافة الحدود.