هل من باب الصدفة أن تصب "أمريكا ترامب" جام غضبها على القضية الفلسطينية وتهدد وتتوعد، فتعترف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال وتنقل سفارتها لها، ثم تجتهد لإنهاء أبرز الشواهد على قضية اللاجئين الفلسطينيين، وتدفع بأنظمة عربية للتطبيع مع الاحتلال علناً، ثم وليس أخيراً سعيها لاستصدار قرار أممي لإدانة المقاومة الفلسطينية باعتبارها إرهابا؟
من غير المنطقي أن تكون الإجابة "نعم"، لأن ما يقدمه ترامب من خدمات لدولة الاحتلال هو مخطط ومدروس، ويفوق ما تطلبه وتتمناه، فهو مثل الأُم الحنون التي تقدم كل ما تملك لابنها وتحميه من أي شيء قد يعكر صفو مزاجه، وأحدث الخدمات التي تقدمها الأُم هدية لابنها سعيها لاستصدار قرار من الأمم المتحدة لإدانة المقاومة الفلسطينية.
ترى ما حاجة أمريكا لذلك القرار رغم أنها تتعامل مع المقاومة الفلسطينية على أنها إرهاب ودون قرار أممي؟ وهل يحق لنا كعرب ومسلمين أن نغضب من أمريكا؟ ولماذا؟ وبأي منطق نريد من أم القاتل أن تكون حنونا على الضحية وهي التي أرضعته من ثدييها لبن الحقد والكراهية؟
إن سعى أمريكا لاستصدار قرار يدين المقاومة هو وسيلة لفرض سيطرتها على توجهات الدول الأعضاء، وفرصة لاختبار الدول خاصة العربية التي لا يمكنها مخالفة توجهاتها ونظرتها لأغلب القضايا العربية والدولية ومدى صدق رغبتها بالتطبيع مع الاحتلال، ومحاولة منها لإضفاء شرعية دولية لهذه الخطوة كي لا تظهر أمريكا وحدها من ترغب في ذلك القرار.
إن الغضب العربي خاصة الرسمي من هذا القرار هو غضب مصطنع، لذر الرماد في عيون الجماهير الغاضبة، وإلا ما الفرق بين قرار تريد أمريكا تمريره، وما تفعله أنظمة عربية وإسلامية بفلسطين وأهلها ومقاومتها رغم أنها تربطها بالقضية الفلسطينية روابط أكبر وأكثر من تلك التي تربط أمريكا بالكيان الصهيوني؟
إن من يقرأ المشروع يلحظ مدى الحرص الأمريكي على أمن الكيان، فهو يُدين حماس لإطلاقها المتكرّر صواريخ نحو (إسرائيل)، وللتحريض على العنف، معرّضةً بذلك حياة المدنيّين للخطر، ويطالب بأن توقف المقاومة كلّ الاستفزازات والأنشطة العنيفة، بما في ذلك استخدام الطائرات الحارقة، كما أنّ المسودة النهائيّة تدين بناء بنية تحتيّة عسكرية، بما في ذلك أنفاق التسلّل إلى (إسرائيل) ومعدّات تُتيح إطلاق صواريخ في مناطق مدنيّة.
وبعد القراءة يتساءل القارئ: أليس مشروع القرار الأمريكي تعديًا صارخًا على قوانين أقرتها الأمم المتحدة ذات يوم، التي تنص على حق الشعب الواقع تحت الاحتلال أن يناضل بكل الوسائل التي يستطيع؟ فلماذا يقف العالم ضد تفعيل هذه الخاصية فيما يتعلق بالكفاح الفلسطيني؟ وهل دولة الاحتلال توزع الورود على الشعب الفلسطيني؟
ماذا لو صُوِّت على مشروع القرار؟
المعروف أن قرارات الجمعية العام ليست لها صفة إلزامية، ولا يمكن الاستناد إليها منفردة لتجريم طرف أو اعتباره مسؤولا فعليا عن جريمة حصلت، لكن نجاح أمريكا في حشد الدول معها يعني أن الدبلوماسية الفلسطينية والعربية والإسلامية لم تقم بالدور المطلوب منها تجاه التأثير في السياسة الأوروبية، ثم إن عدم إلزامية قرارات الجمعية ليست مدعاة للتكاسل، فربما تعمل أمريكا بطرقها الخبيثة لتفعيله من خلال اتخاذ إجراءات ضد شخصيات تتبع للمقاومة، أو التضييق على شخصيات في دول عربية أو دولية تساند القضية الفلسطينية، فنحن نعيش في عالم لا يحترم لغة الدبلوماسية بقدر ما يتوافق مع لغة القوة، حتى لو كان التوافق سرياً.