سجل شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أكثر من 300 حالة اعتقال في أنحاء عدة من الضفة الغربية المحتلة، بينهم نساء وأطفال، في حين استشهد أربعة مواطنين، وجرح العشرات، وهدم أكثر من 15 منزلا في القدس والمدن الأخرى، كما أضافت سلطات الاحتلال 12 حاجزا عسكريا جديدا وبرجا وبوابة حديدية في مداخل المحافظات والتجمعات، الأمر الذي عده مراقبون تصعيدًا يحمل أهدافًا سياسية.
وعدّ هؤلاء المراقبون تصعيد الاحتلال في الضفة الغربية "حلقة أخيرة ضمن المساعي الإسرائيلية لتقطيع أوصال المحافظات تلبية لخطة صفقة القرن الرامية إلى تفتيت الفلسطينيين والتعامل معهم جغرافياً بحسب الخطة"، مشيرين إلى أن تلك الإجراءات التعسفية تنذر بتقسيم الضفة إلى ثلاثة أجزاء.
ويقول أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت د. نشأت الأقطش: "الاحتلال قرر شطب فكرة الدولتين وتجاهل حق الفلسطينيين، ويسعى إلى طمس السيادة الفلسطينية المهدورة أصلا في الضفة من خلال المداهمات والمصادرة ومنع البناء والقتل والانكماش الاقتصادي المتوقع، وهذا كله يعني أن رغبة أمريكية إسرائيلية تلوح في الأفق بشأن المنطقة".
ويحذر الأقطش في حديث لصحيفة "فلسطين"، من التماهي وعدم وجود موقف صارم من تلك الممارسات، الأمر الذي يعني أن الاحتلال سيكون في مأمن بتمريره المخطط الأخطر منذ اتفاقية أوسلو.
وأشار إلى أن الذي يجري من انتهاكات يأتي في سياق "إذلال الفلسطينيين، ومحاولة غير مباشرة للانتقام من المقاومة المنتصرة في غزة، وكأن المزاج العام لدى الجنود وقادتهم إظهارُ صورة الفلسطيني في الحسرة والذل لتغيير المشهد الأخير الذي حدث في غزة، كما أنه استعراض للشارع الإسرائيلي".
مسرح المعاناة
ويتبدد الهدوء والاستقرار في الضفة الغربية، ففي الليل اعتقالات ومداهمات وتفتيش للمنازل، وسرقة للمركبات والأموال، وفي النهار حواجز وهدم ومصادرة وإخطارات، لتكون الصورة هي من يتكلم.
يقول المواطن أبو محمد عطا من رام الله لـ"فلسطين": "الاحتلال لا يجعل لنا ساعة نوم وهدوء، بل يعمل ليل نهار على إذلالنا، فالبرد القارس الليلةَ الماضية (الاثنين) كان من نصيب أفراد العائلة التي أجبرها الجنود على الخروج من المنزل بحجة التفتيش، ليكون الأطفال والنساء بقوة السلاح خارج أغطيتهم وغرفهم".
وأضاف: "هذا قمة الذل والإهانة، فالتمكين والسيادة اللذان يتغنى بهما البعض لا نراهما هنا إلا للجنود وممارساتهم".
من جانبها تقول والدة الشهيد أنس حماد من رام الله لـ"فلسطين": "استشهد ابني أنس، ثم أقدم الاحتلال على اعتقال أبي أنسزوجي، ثم ابني الثاني عبد الرحيم، ثم أصيبت ابنتي تقوى واعتقلت، ثم أعيد اعتقال زوجي إداريا لأكثر من 17 شهرا، وما زال. والسبت الماضي حضر جنود الاحتلال للتفتيش والمداهمة".
وتشير أم أنس إلى أن الاحتلال باتت له بصمة في جميع شؤون حياتهم اليومية ، فبلدة سلواد شرق رام الله حيث تسكن تحاط بالمستوطنات ومعسكر للجيش وحاجز عسكري "ومنزلنا يداهم باستمرار منذ أشهر عدة، ويعيث الجنود فيه فسادًا.
وتلفت كذلك إلى أن مخابرات الاحتلال تضع عينها على تحركات عبد الرحيم منذ إطلاق سراحه، وتتصل به شبه أسبوعي لتحذره من أي تحرك.
هي بعض من صور الألم التي لم نسرد فيها حكاية منزل هدمت جدران الذاكرة فيه، ولا شارع أغلق أمام طفولة وتعليم، ولا مدرسة أخطرت بالإزالة لصالح مصنع مستوطنين، ولا شعب يذل على المعابر والحواجز بحثا عن لقمة عيش، أو تنقل بات كأنه بين قارة وأخرى وليس في فلسطين حيث التغني بالتمكين والسيادة والاستقلال الحزين.