فلسطين أون لاين

​"زر الورد".. كتاب يوثّق حكايات شهداء مسيرات العودة

...
صورة أرشيفية
غزة/ نور الدين صالح:

"ليلة البحث عن محمد زر الورد"، كان عنوانًا لمقال صادفته الشابة الصحفية ياسمين عنبر (٢٥ عامًا) ذات مرة وهي تقلب في مواقع الإنترنت, حين أرادت الربط بين قصص الفدائيين في الانتفاضة الأولى وحكايات الثائرين على حدود غزة في مسيرات العودة.

كان ذلك المقال صادمًا لها, فقد انهالت الآراء عليه واختلفت بين كونه شخصية تراثية تغنت بها الأغنية الشعبية أو أنه طفل شهيد حقيقي لأم يفزع قلبها كلما سمعت صوت أزيز الرصاصات يدوي في مدخل المخيم.

فبعد أن طارت الحقيقة معه بدأ العجز يتسلل لدى "ياسمين" حينما قالت: "لم أنجح هذه المرة في التأكد من الرواية التي ظلّت ضائعة كل هذه السنوات"، لكنّ هذا العجز كان دافعًا لها لتجميع قصص الشهداء من أمثال "محمد" في كتاب يحمل "زر الورد", كي لا تضيع الحقيقة أبدًا.

وقت كبير احتاجت إليه "ياسمين" خلال العمل على إصدار كتابها الأول باكورة أعمالها، علمًا أنها خريجة كلية التربية قسم اللغة العربية، وتعمل في مجال التدقيق اللغوي، لكنّها تعلمت الكتابة الصحفية خلال مرحلة تدريبها في صحيفة الرسالة بغزة.

وأعلنت ياسمين عن إصدار كتابها رسميًّا خلال مشاركتها في مؤتمر "فلسطين تخاطب العالم (تواصل 3) الذي عُقد في العاصمة التركية إسطنبول في السابع عشر من شهر نوفمبر الماضي، بمشاركة عشرات الصحفيين من قطاع غزة, وذلك في جلسات التشبيك بالمؤتمر.

وتحدثت لمن أهدتهم الكتاب قائلة: "الشهداء ليسوا مجرد أرقام، وكل شهيد له حكاية مؤلمة، والرصاصة في غزة لا تقتل قلبًا واحدًا فقط، كما أن صور الشهداء وضحكاتهم تبقى تلاحق أمهاتهم وأطفالهم.. لذلك كتبت".

لماذا هذا الاسم؟

للوهلة الأولى يتساءل القارئ عن سبب تسمية الكتاب بهذا الاسم، تُجيب عنبر: "كانت أمهات الشهداء يخاطبن أبناءهن زمن الانتفاضة الأولى حين وداعهم "يا أمي يا زرد الورد"".

والدافع الثاني كما تقول: "في ذاك الوقت أيام الانتفاضة الأولى انطلقت أنشودة حملت اسم "يا محمد يا زرد الورد يلي دوبك خمس سنين احكيلي كيف خوفت الجيش"، فحاولت ربط تلك المدّة مع مسيرات العودة الجارية على حدود قطاع غزة لكونها متشابهة في بعض الملامح".

أما الدافع الآخر، حينما قرأت قصة عن الشهيدة كلزار العويوي من الخليل، وتأثرت بالحزن الكبير الذي اجتاح تفاصيل أسرتها وبيتها، حتى قال والد كلزار: "عندي عشرة أبناء, كلهم وعدوني أن يسموا كلزار, فلو عوضتني العشر كلزارات عنها سأكون ممتنًا"، وهو ما دفعها للبحث عن معنى ذلك الاسم فوجدته "زر الورد أو الورد الناصع البياض"، وفق حديثها.

أفكار ورسائل كثيرة يضمها الكتاب, تقول عنبر: "إنه يضم أفكارًا عدّة أولاها قصص الشبان الثائرين قرب السياج الفاصل شرق قطاع غزة، وإصرارهم على استعادة حقوقهم المسلوبة وفي مقدمتها العودة للأراضي المحتلة".

وتحكي أن الكتاب رسم لوحة فنية مفادها أن طريق العودة معبّدةٌ بالدماء وتساقط الأحلام، كما ذكرت خلال القصص كثيرًا من ملامح القرى القديمة التي هُجّر منها الفلسطينيون خلال النكبة عام 1948، ورائحة البلاد وعبقها التاريخي والتراثي.

واستحضرت بعض النماذج التي تأثرت بها خلال عملها في الكتاب، مثل حكاية الشهيدة وصال الشيخ خليل التي تعيش في بيت ضيّق بأحد المخيمات في غزة "المغازي"، وتوجهت للحدود الشرقية أملًا بالعودة لبيت أكبر في قريتها المحتلة "السوافير".

قصة أخرى أثرت فيها كانت للشهيد علاء الخطيب الذي ترك عروسه "هداية" وقد كان يُسميها "عكازتي" لأنها كانت سنده في الحياة، تحكي: "من خلال قصة هداية أدركت أن معاجم الحب في غزة مختلفة وأن رصاصات الاحتلال في مدينة الحرب التي نعيش بها تردي الحب قتيلًا".

أما القصة الأخيرة المؤثرة فكانت للشهيد الطفل ياسر أبو النجا، ذاك الشهيد الذي توجهت "ياسمين" إلى بيته لمتابعة حكايته وتفاصيلها المؤلمة، بسبب عبارة قالها له والده عند قبره: "تعبت كتير يابا على تربايتك حتى تطلع أسد" لتكتشف أنه سباح ماهر ويتقن الرماية، وخيال فارس, ما جعلها تتيقن أن الاحتلال خشي شبابه فقتله، وفق حديثها.

وعن الشكل الخارجي للكتاب، توضح ياسمين أن الغلاف كان عبارة عن صورة لأم خُطّت بطريقة التلاشي -أي أن الرمادية تطغى على الصورة- وهو ما يُمثل حياة الأم بعد فقدانها فلذة كبدها، وتحمل بيدها باقة ورد تنزف دمًا على صورة لابنها, رسمت بأنامل الرسام الشاب مجد الهسي.

واحتوى الكتاب أيضًا على إهداء خاص للصحفي ياسر مرتجى، خاصة بعدما تأثر برحيله القريب والبعيد، والكلام لياسمين، "ضحكة ياسر كانت مختلفة وتأثّرُنا برحيله كان مختلفًا، حتى أمّه لم تستطِع الحديث عنه".