دائمًا ما تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلية التحايل على القوانين الدولية لإخفاء ممارساتها القمعية مع الفلسطينيين عمومًا، والأسرى داخل سجونها خصوصًا، في ظل صمت مطبق للمنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية حيال ذلك.
وأصدرت ما تسمى بـ"المحكمة العليا" الإسرائيلية قرارًا، الأسبوع الماضي، يسمح لمحققي جهاز الأمن العام (الشاباك) باستخدام التعذيب ضد الأسرى الفلسطينيين، تحت ما يسمى بـ"وسائل خاصة".
ونقلت صحيفة "هآرتس" العبرية الجمعة الماضية، إن "قرار المحكمة العليا من شأنه شرعنة استخدام "الأساليب الخاصة"، أي التعذيب، ضد فلسطينيين كثيرين مشتبهين بالانتماء لمنظمات فلسطينية".
وجاء قرار المحكمة العليا، لدى نظرها في التماس قدمه الأسير المحرر فراس طبيش، الذي اعتقل في عام 2011 بدعوى انتمائه إلى حركة حماس، وعلمه بمكان تخزين أسلحة يستخدمها نشطاء حماس.
مدير مؤسسة الضمير لرعاية الأسرى في فلسطين سحر فرنسيس، عدّت القرار غير جديد، وإنما جاء للتأكيد على قرار عنصري سابق يعود لعام 1999، والذي يعد قرارًا جوهريًّا بما يخص تعذيب الأسرى الفلسطينيين.
وأوضحت فرنسيس في حديث لصحيفة "فلسطين"، أن الاحتلال يصف بعض الأسرى بـ"قنابل موقوتة"، منبهة إلى أن في هذه الحالات تتيح "المحكمة العليا" للمحققين الإسرائيليين استخدام أساليب التعذيب تحت مسمى "وسائل خاصة من أجل الحصول على المعلومات"، وعليه لا يمكن محاكمتهم حسب القانون الجنائي، الذي يُجرم التعذيب.
وقالت: "قرار المحكمة سيئ جدًّا من ناحية موضوعية، إذ يفسح المجال عمليًّا لممارسة عمليات التعذيب بحق الأسرى الفلسطينيين، برغم أن الاحتلال ملزم باحترام وتطبيق اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 في عام 1991".
وأكدت فرنسيس أن القانون الدولي يمنع التعذيب مطلقًا، ولا يوجد أي مبرر له، كما أنه من الجرائم التي لا يمكن التخفي منها، ولا يمكن لدولة أو جهة رسمية الادعاء بأنه مسموح لها بممارسته.
ونبّهت إلى أن كلّ المؤسسات الفلسطينية التي تعمل في مجال الأسرى تدرك يقينًا أن سياسة التعذيب التي يمارسها الاحتلال ما زالت قائمة، مؤكدةً أن الاحتلال يتخذ سياسة ممنهجة لممارساته.
وعدّت مديرة مؤسسة الضمير، "المحكمة العليا" إحدى أذرع الاحتلال التي تعطي صبغة قانونية لممارساته القمعية ومن ضمنها التعذيب بحق الأسرى، داعيةً مكتب المدعية العامة في محكمة الجنائية الدولية للوقوف عند مسؤوليتها ومباشرة التحقيق بقضية تعذيب الأسرى الفلسطينيين.
الهدف من القرار
بدوره أوضح مدير مكتب إعلام الأسرى ناهد الفاخوري، أن الاحتلال يهدف من القرار إلى زيادة التنكيل بالأسرى الفلسطينيين، وتقوية محققي (الشاباك) وحمايتهم في حال رفعت عليهم قضايا، إضافة لمحاولة الحصول على معلومات حول العمليات الفردية التي تحدث في الضفة الغربية عقب حدوثها فورًا.
وقال الفاخوري لـ"فلسطين": "استخدم الاحتلال أساليب التعذيب الجسدي كافة خلال التسعينيات، بعد ذلك وصل (الشاباك) لنتيجة أن الضغط النفسي والعاطفي على الأسير في التحقيق، إضافة إلى غرفة العصافير، يؤدي لنتائج أفضل من الأساليب السابقة".
وأشار إلى أن (الشاباك) يلجأ إلى المحكمة العليا لاستصدار قرارات للتعامل مع الحالات التي ينظر إليها كـ"قنبلة موقوتة"، موضحًا أن المحققين هم أنفسهم ولكن ينقل الأسير لمكان آخر تتوافر فيه أساليب التعذيب الجسدي.
ونبه إلى أن المحقق بعد هذا القرار لا يستدعي اللجوء إلى المحكمة من أجل إصدار قرار تعذيب، إذ القرار الذي أصدرته المحكمة يسمح باستخدامه في أي وقت ومباشرة دون الرجوع إليها.
وفسّر الفاخوري إطلاق المحكمة يد (الشاباك) لتعذيب الأسرى لاعتقاد الطرفين بأن التحقيق السريع مع منفذي العمليات الفردية في الضفة الغربية المحتلة، من شأنه جلب معلومات حول العملية وتفاصيلها.
وأشار كذلك إلى أن قرار شرعنة التعذيب يضفي غطاء قانونيًّا يحمي المحققين من المساءلة أو المراجعة القانونية في حالة رفعت قضايا ضدهم لممارستهم التعذيب بحق الأسرى.