لأسباب عديدة حررت أمريكا عدة ملايين من العبيد فوق أراضيها سنة 1863، ولكن أمريكا كلها لما تزل تعيش العبودية لقوى الضغط اليهودي الذي تسيطر على مقدرات الوعي للشعب الأمريكي، وعلى قراره السياسي، وعلى مؤسساته حتى بات تقديم مبلغ 38 مليار دولار مساعدة لإسرائيل على مدار عشر سنوات، أمرًا داخليًا، لا يجد اعتراضًا من دافع الضرائب الأمريكي.
لقد بلغ الانقياد الأمريكي لقوة الضغط اليهودي حد التنافس فيما بينهم للتقرب من اليهود، والتذلل لإرضائهم، فأعلن الرئيس الأمريكي ترامب أن بقاء القوات الأمريكية في المنطقة مقترن ببقاء إسرائيل، وأكد أن مصلحة إسرائيل هي التي تحتم على أمريكا التدخل في قضايا الشرق الأوسط، وليس مصالح أمريكا النفطية، التي لم تعد ذات شأن بعد استغناء أمريكا عن نفط الشرق.
ترامب يعرف أن الكونجرس الأمريكي ليس مؤيدًا لإسرائيل فقط، بل خادم مطيع لأوامرها، ويكفي أن نتذكر أن أعضاء الكونجرس الأمريكي صفقوا 31 مرة وقوفًا لنتنياهو رئيس وزراء إسرائيل الذي ألقى كلمته أمامهم قبل عامين، لذلك فإن طالب الفوز بالرئاسة أو عضوية الكونجرس، أو حتى بمنصب أو مكانة سياسية مشروط بالتقرب من إسرائيل، وهذا ما سعت إليه مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة نيكي هايلي، وهي تتقدم بمشروع قرار يدين حركة حماس لإطلاقها الصواريخ على التجمعات الصهيونية، بل ولإطلاقها البالونات الحارقة، دون الأخذ بالأسباب، ودون الالتفات للدمار الذي تخلفه القاذفات الإسرائيلية العملاقة، ولقد تجاوزت الوقاحة الأمريكية كل حد حين ضغطت على دول الاتحاد الأوروبي 28 لاتخاذ موقف مؤيد لمشروع القرار الأمريكي.
إدانة حركة حماس هي إدانة للقضية الفلسطينية التي ترفض أن تموت من ضمير العالم، والتحرك ضد الهجمة الأمريكية المنسقة مع الصهاينة ليس شأنًا فلسطينيًا محضًا، ولا يكفي جهد المندوب الفلسطيني رياض منصور لمواجهة الهجمة الأمريكية، المطلوب هو وقفة عربية شعبية، على مستوى القاهرة وعمان وبقية العواصم العربية.
وإذا كانت مسؤولية التصدي للعدوان الأمريكي تقع على عاتق السلطة الفلسطينية قبل الجميع، فإن ذلك يعني أن بيانات الشجب لم تعد تكفي، والمطلوب أن تتوجه السلطة الفلسطينية أن تدعو لعقد جلسة طارئة لوزراء خارجية الدول العربية، ولمنظمة المؤتمر الإسلامي، فمجرد مناقشة مشروع إدانة الجمعية العامة لحركة حماس والجهاد وقوى المقاومة يعني تكريس الاحتلال، وإعطائه الشرعية في قصف كل تجمع مدني فلسطين بالطائرات الحديثة، ويعني شرعية اقتحام المدن في الضفة الغربية، والزج بآلاف الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ويعني شرعية الاستيطان والسيطرة على الأرض، ومباركة التهويد للقدس.
إن قرار إدانة المقاومة هو عمليًّا قرار تبرئة جيش الاحتلال من الدم الفلسطيني، وهو رخصة قتل للمدنيين الفلسطينيين بحجة الدفاع عن النفس، وهذا الفجور السياسي الأمريكي لا يكفي أن يواجه في أروقة الأمم المتحدة، بل يجب أن يواجه على مستوى الشعوب العربية والإسلامية، التي يتوجب أن يرتفع صوتها، أن تصرخ ضد التجبر الأمريكي على حقوق الشعوب الرافضة للاحتلال، فالدعوة لاعتبار المقاومة ضد الاحتلال إرهابًا هي اعتداء على مشاعر كل العرب، وكل أولئك الذين يدعمون حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، واسترداد حقه المغتصب.
ملاحظة: تفاخر بعض الساسة الأمريكيين بأن أجدادهم يهود هو جزء من عبودية الشعب الأمريكي، وتقديم الولاء السابق للفوز في أي منافسة قادمة، وهذا ما حدث لهيلاري كلينتون مرشحة الرئاسة الأمريكية التي تنافست مع ترامب، لقد اعترفت في مذكراتها بأن جدها لأمها كان يهوديًّا، وقالت مادلين أولبرايت، بأنها لم تكن تعرف أنها يهودية إلى حين كبرت، وكشف لها صحفي أمريكي عن وثائق قديمة تؤكد يهوديتها، كمقدمة للسماح لها بتولي منصب وزيرة الخارجية، وهذا ما فتح الباب لجون كيري ليكون وزير الخارجية، بعدما بكى على معاناة آبائه اليهود، ولن يكون آخرهم الرئيس الحالي ترامب الذي يتفاخر بأن أحفاده صاروا يهودًا.
فإلى أين ستفضي بأمريكا هذه العبودية للقوى اليهودية؟!