فلسطين أون لاين

​لأجل صحتك.. ابتعد عن المضادات الحيوية

...
صورة أرشيفية
غزة/ مريم أبو عاصي:

تشكل مشكلة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية تهديدًا حقيقيًا لصحة الإنسان وللتنمية والأمن، وهي آخذة في الارتفاع إلى مستوياتٍ خطرة في جميع أنحاء العالم، حيث يُقدّر عدد حالات الوفاة المتعلقة بهذه المشكلة بأكثر من 700 ألف حالة وفاة سنويًا.

فاستخدام المضادات الحيوية بتكرار، وعلى مدى أوقات طويلة من الزمن يشكل ضغطًا انتقائيًا على البكتيريا، ويسبب انتشار البكتيريا المقاومة للمضادات، فعادةً عندما يتم استخدام المضادات الحيوية لعلاج عدوى بكتيرية ما، فإنه تقتل معظم البكتيريا، ومع ذلك تبقى بعض الأنواع التي تمتاز بوجود ميزة لديها تمكنها من مقاومة المضاد، وبالتالي النجاة من المضادات الحيوية.

فتتضاعف هذه الأنواع وتتكاثر وتمرر ميزة النجاة لديها لأنواع أخرى من البكتيريا، مسببة بذلك ظهور العديد من الأنواع المقاومة للمضادات الحيوية، وهناك قائمة متزايدة من الإصابات التي أصبح علاجُها أكثر صعوبة بسبب فقدان المضادات الحيوية لفاعليتها، ومن بينها: الالتهاب الرئوي، والسل، وتسمم الدم، والسيلان.

وإذا لم تتخذ إجراءات عاجلة، فإننا حتما نتجه نحو عصر ما بعد المضادات الحيوية، حيث يمكن لأبسط الالتهابات البكتيرية أن تودي بحياة الناس، "فلسطين" حاورت الأستاذ الدكتور في علم الجراثيم في الجامعة الإسلامية عبد الرؤوف المناعمة، لتنقل ما يقوله بصدد المضادات الحيوية.

ما هي المضادات الحيوية؟

أكد المناعمةأن المضادات الحيوية إحدى المجموعات الدوائية التي تستخدم للقضاء على البكتريا وهي إما تقضي عليها مباشرة أو توقف نموها.

وأوضح أنه يمكن تصنيف المضادات الحيوية إلى أنواع عديدة بحسب التركيب الكيميائي مثل البنسيلينات, والسفيالوسبورينات, والتتراسيلينات وغيرها, ويمكن تصنيفها أيضًا بحسب طريقتها في إيقاف نشاط البكتيريا إما مثبطة للجدار الخلوي أو الغشاء الخلوي, أو البروتينات أو المادة الوراثية، ويمكن تصنيفها أيضًا إلى قاتلة للبكتيريا أو مثبطة لنمو البكتيريا.

وأشار إلى أن للمضادات الحيوية استخدامات طبية بشرية مثل العلاج والوقاية من الأمراض المعدية التي تسببها البكتيريا وتكون في أشكال دوائية مختلفة مثل الكبسولات, والحقن, والمراهم وتستخدم في القطاع الحيواني أيضًا في العلاج والوقاية من الأمراض المعدية بالإضافة الى الاستخدام غير الطبي وهو تسمين الحيوانات.

وبين المناعمة أن البكتيريا تمتلك القدرة على الصمود أمام الأدوية المضادة لها، ممّا يؤدي إلى إبطال نجاعة العلاجات واستحكام العدوى واحتمال انتشارها إلى أناس آخرين، وتحدث تلك المقاومة نتيجة سوء استخدام الأدوية المضادة للبكتريا.

وأوضح أن بعض أنواع البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، ويمكن للبكتيريا أن تصبح مقاومة للمضادات الحيوية بطريقتين: حدوث الطفرات الوراثية واكتساب المقاومة من أنواع أخرى من البكتيريا.

ويمكن للبكتيريا اكتساب جينات المقاومة من أنواع أخرى من البكتيريا خلال عملية الاقتران، حيث يتم نقل المادة الوراثية بما فيها الجينات الـمُشفّرة لمقاومة المضادات الحيوية. وتُعد الفيروسات – وفق قوله- وسيلةً أخرى لنقل جينات المقاومة، حيث يتم تحميل سِمة المقاومة في منطقة الرأس للفيروس ثم يحقنها في البكتيريا التي يهاجمها لاحقا، كما ويمكن لبعض أنواع البكتيريا اكتساب الحمض النووي DNA الحـُر من البيئة المحيطة.

كيف تحدث مقاومة المضادات؟

ومن الجدير بالذكر أنه ومع مرور الوقت، فإن البكتيريا التي اكتسبت صفة المقاومة سواء عن طريق الطفرات التلقائية، أو عن طريق التبادل الجيني بين أنواع البكتيريا المختلفة، تجمّع أكثر مِن صفة للمقاومة، وتصبح في النهاية مقاومةً لأنواع مختلفة من المضادات الحيوية، التي تندرج تحت أكثر من عائلة.

وأكد المناعمة أن عملية انتشار مقاومة المضادات الحيوية تكون إما وراثـيــًا، فتنتشر مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية عبر انقسام البكتيريا، وتورث جينات المقاومة للأجيال الجديدة، الذي يُعرف بالتوريث العمودي. أو أفقيًا عندما تقاوم البكتيريا بمشاركة أجزاء من المادة الوراثية مع أنواع أخرى من البكتيريا الحساسة.

أو بَـيْـئِـيّـًا عن طريق الانتقال بين الأشخاص، فالبكتيريا موجودة في كل مكان، ونحن نتعرض لها في مختلف الأوقات، والانتقال بين الأشخاص قد يحدث عن طريق الاتصال المباشر، أو بصورة غير مباشرة عن طريق السعال أو الأسطح الملوثة بجراثيم الأشخاص الآخرين.

وكذلك تنتشر مقاومة المضادات الحيوية عن طريق الميكروبات المشتركة بين الإنسان والحيوان، والانتقال عبر الغذاء، والانتقال عبر الماء، ومرافق الرعاية الصحية.

وتابع حديثه: "رصدت العديد من السلوكيات التي أدّت إلى تسارع وتيرة الظاهرة وتفاقم الأزمة وتسارع انتشارها"، ومن أهمها: الإفراط في استخدام المضادات الحيوية، واستخدامها خطأ لعلاج العدوى الفيروسية، والإفراط في وصف المضادات الحيوية، وإصرار المريض على طلبِها من الصيدليات، وعدم إكمال الجرعة الموصوفة، واستخدام بقايا الجرعة الموصوفة لأشخاص آخرين، وانخفاض أو انعدام النظافة، وسوء الصرف الصحي للمخلفات الصلبة والسائلة لنشاطات الإنسان خاصة الصناعية، وتدني مستويات مكافحة العدوى في المستشفيات والعيادات، وعدم وجود مضادات حيوية جديدة يجري تطويرها.

نصائح لا بد منها

وفي تساؤل للمناعمة أن هناك دولًا أوروبية لا تصف المضاد الحيوي إلا للضرورة القصوى، فكيف نعرف أن المريض وصل الى حالة الضرورة القصوى؟، أجاب: "تقييم الطبيب المختص للحالة والحالة العامة للمريض, والسن, والحالة الفسيولوجية للمريض (الحمل, الرضاعة)، وبناءً على التقييم، وبعد إجراء فحوصات مثل المزرعة، يقرر صرف مضاد من عدمه ويحاول الأطباء تجنب صرف المضادات الحيوية حتى للالتهابات البكتيرية الخفيفة التي يمكن لجهاز المناعة التخلص منها".

وأشار إلى أن المضادات الحيوية عقاقير تؤخذ في ظروف محددة، مثل: الوقاية من بعض الأمراض، أو لعلاج بعض الأمراض، وقد تحدث أعراضًا جانبية للأشخاص الذين يتناولونها مثل الحساسية للمضاد, وسمية الكبد أو الكلية أو الأعصاب.

وهناك خطر غفل عنه الطب سنوات عديدة وهو أن المضاد الحيوي لا يقضي على البكتيريا الضارة فحسب؛ بل يقتل البكتيريا النافعة الموجودة، التي اكتشف العلماء مؤخرًا أنها تقوم بأعمال وأدوار مهمة للغاية في الحفاظ على صحة الإنسان.

وفيما يتعلق بمخاطر تناول المضاد الحيوي في حال الإصابة بمرض فيروسي، بين المناعمة أن الأطباء يستطيعون في معظم الأحيان التمييز بين العدوى الفيروسية من البكتيرية، لكن الكثير منهم يصف المضادات الحيوية؛ تحسبًا لمضاعفات قد تنشأ من العدوى الفيروسية والأكثر خطورة هو تناول المريض نفسه المضاد الحيوي بناءً على تجارب سابقة أو نصيحة من غير المختصين.

وأكد أن نزلات البرد والإنفلونزا تسببها الفيروسات، والمضادات الحيوية ليس لها أي تأثير عليها ولا تقلل وقت المرض، منبهًا إلى أنه يجب سن وإقرار وتطبيق القوانين المتعلقة بتنظيم استخدام وصرف المضادات الحيوية على المستوى البشري وقطاع الإنتاج الحيواني.

وللحفاظ على الصحة، دعا إلى الحرص على غسل اليدين باستمرار، والتأكد من الحصول على اللقاحات الضرورية، وإعداد وطهي الطعام جيدًا، مشددًا على أهمية فصل اللحوم النيئة عن الخضار، وغسل اليدين قبل وأثناء وبعد التعامل مع الطعام، وطهي اللحوم على درجات الحرارة الموصى بها، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان أن تكون المياه التي تستخدمها نظيفة.