كان مشهد كمين العلم الذي أوقع بجنود الصهاينة مثيراً، ومكمن الإثارة يتمثل في الذكاء والجرأة والثقة التي صارت تميز المقاومين الفلسطينيين بشكل عام، بما فيهم ألوية الناصر صلاح الدين؛ الجناح العسكري الذي نفذ كمين العلم بهذا الإبداع الفلسطيني؛ الذي تجاوز مألوف المقاومة التي اعتمدت التضحية بالنفس والمواجهة المباشرة لسنوات طويلة، لتبدأ اليوم مرحلة جديدة من العمل المقاوم الذي يعتمد على المفاجأة، ونصب الكمائن، وتفخيخ الأمن الإسرائيلي.
لقد هلل شعبنا الفلسطيني والعربي للمقاومة وهي تطلق صاروخ الكورنيت على الحافلة الإسرائيلية، وكبر الناس وهم يشاهدون صاروخ المقاومة وهو يوقع الدمار في عمارة سكنية من ثلاثة طوابق، وفرحت الأمة وهي تشاهد كمين العلم، الذي نفذته ألوية الناصر صلاح الدين، الجناح العسكري لتنظيم فلسطيني اسمه لجان المقاومة الشعبية، هذا التنظيم الفلسطيني غير ممثل في منظمة التحرير الفلسطينية، ولا وجود له في مؤسساتها، ولا يقبض هذا التنظيم المقاوم من صندوق المنظمة القومي، ومع ذلك، فإن هذه التنظيم الذي ولد من رحم السجون والمعاناة، ورفض الخنوع للاتفاقيات المذلة، استطاع أن يبدع كمين العلم، والذي شكل مفاجأة للصهاينة، بامتلاك المقاومة الفلسطينية المبادرة، والمباغتة، ونوعية الصواعق المتفجرة.
لجان المقاومة الشعبية كغيره من التنظيمات المقاومة، قدم الشهداء في ثلاث حروب مع العدو، وقدم الشهداء قبل أيام وهو يتصدى للوحدة الخاصة التي تسللت شرق خان يونس، وشارك هذا التنظيم بقصف المواقع الإسرائيلية، وله كغيره من التنظيمات القدرة على قصف تل أبيبت بالصواريخ، وله القدرة كغيره على إغلاق مطار بن غوريون، وما هو أبعد من ذاك.
من حق الشعب الفلسطيني أن يقارن بين تنظيم لجان المقاومة الشعبية صاحب كمين العلم، والصواريخ القادرة على قصف تل أبيب، وبين تنظيم فلسطيني اسمه جبهة النضال الشعبي، صاحب كمين هرتسيليا، والمحرض على قصف غزة بالصواريخ العقابية.
فما هو كمين هرتسيليا؟
هرتسيليا مدينة عربية اغتصبها الصهاينة 1948، يعقد فيها كل عام مؤتمر معادٍ لحقوق الفلسطينيين، يشرف عليه قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وخبراؤها وقادتها التاريخيون، ويعتبر المؤتمر أحد الكمائن الصهيونية الهادفة إلى اختراق الوعي العالمي، وحشد التأييد الدولي لتحصين مناعة إسرائيل القومية ضد أعدائها من عرب وفلسطينيين ومسلمين، وكانت المفاجأة سنة 2016، حين بادر أمين عام جبهة النضال الشعبي أحمد مجدلاني، وشارك الصهاينة مؤتمرهم؛ محتقراً بذلك حقوق الشعب الفلسطيني، ومستخفاً بدماء الشهداء!
تنظيم لجان المقاومة الشعبية صاحب كمين العلم الذي أوقع الإصابات في صفوف الصهاينة غير ممثل في منظمة التحرير الفلسطينية، ومطرود من رحمتها، أما تنظيم جبهة النضال الشعبي فهو من الأعمدة الرئيسة لمنظمة التحرير، ويلهط خيراتها.
تنظيم لجان المقاومة الشعبية عاشق للمقاومة، ويرفض الاعتراف بدولة الصهاينة، ويعادي التعاون الأمني مع المخابرات الإسرائيلية، أما تنظيم النضال الشعبي فيعترف بإسرائيل، ويعشق التعاون الأمني مع المخابرات الإسرائيلية، ويعادي المقاومة حتى نخاع العظم.
تنظيم لجان المقاومة الشعبية على رأس مسيرات العودة، وقدم الشهداء والجرحى، والتقيت مع قيادته في الميدان، فهل يؤيد تنظيم جبهة النضال الشعبي مسيرات العودة؟
تنظيم لجان المقاومة الشعبية مرفوض من قبل فصائل منظمة التحرير التي ترى بنفسها صاحبة الحق الشرعي والوحيد بتمثيل الشعب الفلسطيني، أما تنظيم جبهة النضال الشعبي فله الصدارة.
ما سبق من مقارنة سريعة بين تنظيمين تكفي دليلًا للمطالبة الجماهيرية بإعادة صياغة منظمة التحرير الفلسطينية وفق المتغيرات الميدانية، والتي دفنت تحت التجربة تنظيمات لم يبقَ منها غير الاسم التاريخي، بعد أن تشققت الأرض عن تنظيمات جديدة، تنمو وسط الجماهير، وتنطق باسمها، وهي الممثل الشرعي والحقيقي والميداني لهذا الشعب الفلسطيني الذي يعشق الوطن.
ملاحظة: ما أبعد المسافة بين الفلسطيني الذي خطط ونسق ورتب كمين العلم، وبين الفلسطيني الذي خطط ورتب ونسق آلية سفره ليشارك في مؤتمر هرتسيليا الصهيوني!!