لقد أوجب الله تعالى طاعة النبي صلى الله عليه وسلم وجعل سنته المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي؛ ولذا اهتم الصحابة بالأخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم, وتتبع أقواله وأفعاله وتقريراته, ثم توجهت الهمم نحو أخذ هذا الميراث النبوي بعد موته صلى الله عليه وسلم, وعنوا به من جانب جمع الروايات والتحقق من صحتها, والبحث عن مراده صلى الله عليه وسلم؛ حتى يتسنى للمكلف العمل وفق مقاصد الشرع, وتمخضت العناية بهذا الجانب عن حركة حديثية امتدت في العالم الإسلامي، نتج عنها الاصطلاح على ضوابط وآداب لرواية الحديث، وصياغة قواعد يميز بها بين ما تقوم به الحجة من النقول وما لا يحتج به، وصنف في هذا الجانب مصنفات كثيرة متنوعة رواية ودراية .
لقد بدت العناية بهذا الجانب في زمن مبكرا جدا، منذ زمن الصحابة رضي الله عنهم، وربما وقع خلاف بينهم في فهم مراد النبي صلى الله عليه وسلم في مسائل محدودة, لقرب العهد بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولتمكنهم من اللغة العربية، وفهمهم مقاصد الخطاب العربي على اختلاف وجوه بيانه، لكن مع تباعد العهد، وكثرة وقائع الحياة، وتنوعها ظهرت الحاجة إلى قواعد ضابطة للاستنباط، وفهم النصوص، وما زالت القواعد تتأصل، وتزداد قوة ورسوخا، ونتج عن ذلك تراث كبير من المصنفات في الفقه وأصوله، وفي القواعد الفقهية ومقاصد الشريعة .
وهذا البحث يعرض ضوابط فهم السنة النبوية في هذين المحورين، وهما: الأول: التحقق من ثبوت النص. الثاني: فهم النص النبوي في ضوء النصوص الأخرى .
ولقد تكفل الله بحفظ كتابه، وشارحة كتابه, قال تعالى: [بِالبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] {النحل:44} , ولتحقيق ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه فقال" بلغوا عني، ولو آية" البخاري (3461)، وحث على الضبط عنه فقال: " نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ " الترمذي ( 2656 ) وقال: حسن . وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من القول عليه بغير علم أو تثبت فقال: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ" البخاري (107)؛ لذا حظيت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بكل عناية واهتمام, إلا أن ذلك لم يمنع من وقوع الخطأ والنسيان أو الكذب والوضع فيها؛ وقد بذل سلفنا جهودًا مضنية في تحقيق صحة النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأسسوا منهجًا علميًا في التحقق من صحة المرويات .
وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم