فلسطين أون لاين

​مؤمن طبيب يقيم حفل تخرجه مع أبيه في السجن!!

...

تتقطع أوصال حياة الإنسان الفلسطيني، يحز رقبتها سيف الاعتقال ويحيلها قطعا متناثرة ، أحمد زيد الاب منذ زهرة شبابه وهو يغدو ويروح الى السجون ، لم تكتمل سنة وهو ينعم بشبيه الحرية خارج السجون ، ولم يتنسم عليلا نقيا لا تشوبه رائحة السجن طيلة حياته، مرة واحدة اشتم رائحة حرة, ذلك عندما أبعد الى مرج الزهور فرأى العالم من هناك ، يمسي حرا فيصبح معتقلا ، سيمفونية أليمة تدق أركان بيته في غسق الليل ليجد نفسه مكبلا ومحمولا في قاع دورية مزمجرة تروح به الى مقره الدائم ، تقتلعه من حضن بيته الى حيث الحديد والقهر والاذلال ، يغيب سنة سنتين ثلاثة الى ما شاء لهم وحتى يعتدل مزاجهم الحاقد عليه قليلا ، يطلقون سراحه ليبدأ العد التنازلي لحبسة قادمة . أجمل ما في داخل المعتقل أن الاسير يجد نفسه في مكان آمن من الاعتقال ، يبيت دون أن يهاجمه هاجس الاعتقال ومداهمة البيت ليلا، هذه النقطة الوحيدة التي تسجل لصالح المعتقل .

ويستمر أحمد في معركة الحياة ليكافح ولتناطح كفه المخرز رغم القيد ومرارة هذا الشبح الاسود الذي يصر على مطاردته دون انقطاع ، تشاركه زوجته مجسدة عنفوان المرأة الفلسطينية التي تشكل الجبهة المعنوية المساندة والرئة التي يتنفس منها والمدرسة التربوية الحاضنة لابنائه ، وقد نجحت نجاحا باهرا في تعويض النقص المؤلم في غياب الاب عن بيته ، نجحت في ان تجمع بين قلب الام وعقل الاب وزرعت روحا عالية في روع ابنائها ، تابعوا تعليمهم ، نجحوا وتفوقوا وأثبتوا انهم ابناء ابيهم المجاهد والمصر على مبادئه الراسخة رسوخ الجبال ، تتابع البناء الفلسطيني المؤمن بربه والقابض على جمر قضيته ، تقدموا في الخندق الوطني المتقدم كما تقدموا في التحصيل العلمي والصف المدرسي ، كانت تربية ايمانية وطنية تبني نفوسا أبية عزيزة قوية .

وينتظر أسيرنا ابنه البكر محمد ليتخرج من الجامعة التي تجمع الابناء بالاباء في بيدر واحد ،يتخرج محمد من المعتقل قبل تخرجه من جامعة بير زيت ليجمع بين الحسنيين ، ثم يأبى مؤمن الذي انبرى لدراسة الطب أن يتخرج من جامعة القدس طبيبا الا بعد أن يدخل جامعة أبيه ، يلتحم بأبيه روحا عالية لتسكب عروق الوطن في روحه مدادها الخالد ، يذهب هناك عله يداوي جراح السجن وعله يكون بطبه بلسما شافيا لألم دامٍ ينزف منذ عشرات السنين .

هناك يلتقي الاب بعقده السادس مع فلذة كبده الذي أراد أن يحتفل معه ويحيي حفل تخرجه في زنزانة ، يابى الاحتلال ان تدخل فرحة لهذه القلوب ، لا يراها انها تستحق ان تفرح ، او أن تلتقط لحظات سعيدة في زمنهم الاسود ، فيابى مؤمن الا ان يذهب هناك ليبشر اباه بنتاج حصاده وليحيي حفلا لا مثيل له في هذا العالم ، الناس يحتفلون في اوسع مدرج في الجامعة ، يضيق صدر الاحتلال ليزج الابن مع أبيه ، فتعلوا هذه الارواح على ركام الاحتلال لتقيم حفل التخرج في زنزانة ..

يا لروعة هذه الروح الفلسطينيةالمؤمنة المتوثبة بعنفوانيتها المجيدة ، تزرع فرحة هناك خلف قضبانهم وتثبت أن هذا الغاصب لا مكان له ولا مستقبل ما دامت هذه القلوب تنبض هذا النبض الحازم الكاسر .

إنه والله مع النجاح والتفوق في ميادين العلم لنصر في ميادين المواجهة والمقاومة ، تنتصر الروح الفلسطينية بما تملك من ثبات واصرار على حقها ، تنتصر وهي تشق دربها رغم كل عراقيلهم وسواد مكرهم ، تنتصر وهي تنظر في الافق وترقب ميلاد فجرها الجديد ، عندما تتوحد الامال والاهتمامات والتوجهات والاهداف بين الاباء والابناء ، وتتواصل الاجيال بهذا التحدي العظيم نطمئن بكل ثقة على اشراقتنا القادمة وعلى تبديد ظلامهم الآذن الى زوال قريب باذن الله .