من يلجأ للتطبيع اليوم واحد من ثلاثة:
باحث - ذاتياً - عن دور، أو مطلوب منه أن يمارس دوراً ما، أو مأزوم سياسياً أو اقتصادياً.
أما الأول فإن بحثه عن الدور يتطلّب منه تحييد العراقيل المتوقعة، وقبول الكيان الإسرائيلي، والاعتراف به جزءا من اشتراطات الدول الكبرى على أي دولة تبحث عن دور لها في المنطقة.
وأما الثاني فهو يكون منكفئاً في العادة ولا يبحث عن "وجع الرأس" لكن خوفه من "وجع رأس محتمَل الوقوع" يجعله ينفّذ مطالب دول مؤثرة في المنطقة أو دول كبرى ليفتتح سياسة جديدة، أو يكسر نمطاً سياسياً جامداً، أو يخترق حالة مستعصية.
وأما الثالث فهو غارق في المشكلات إلى حد الإدمان، وواقعٌ تحت الضغوط اليومية التي تحمّله مسؤولية العجز، وتقترح عليه الحلول "السهلة" التي لا تمسّ استمرار نظامه، وتنصحه بأن يتجاوز "عنترياته" الخارجية.
مبررات !
وأما مبررات التطبيع السياسي لدى الدول التي أعلنت مواقف مؤيدة للقضية الفلسطينية سابقاً ثم قررت التحول إلى التطبيع فيمكن إجمالها في التالي:
انتفاء الأسباب التي دفعتها للمقاطعة استجابة لضغوط عربية متنوعة في مرحلة تاريخية سابقة.
توقيع اتفاقيات سلام دولية بين الكيان الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية وممارسة التطبيع في جميع صوره ولا سيما التنسيق الأمني المباشر والتعامل السياسي المباشر.
الرغبة الفلسطينية الرسمية في الانفتاح على الكيان الإسرائيلي لممارسة ضغوط عليه لتحريك عملية "السلام".
الانفتاح الرسمي العربي المعلن والمكتوم مع الكيان الإسرائيلي؛ وتوقيع اتفاقيات سلام مع دول عربية مهمة مثل مصر والأردن.
عدم تأثر شعبية النظام التركي ذي التوجه الإسلامي بمستوى علاقاته القوية اقتصادياً وعسكرياً مع الكيان الإسرائيلي.
حاجة الدول الفقيرة للتمويل الدولي أو تحفيز الاقتصاد أو التدريب الفني.
حاجة دول مستبدة سياسياً لتحسين صورتها الدولية وتخفيف الضغوط عليها ولفت الأنظار عنها.
حاجة دول محاصرة سياسياً إلى الالتفاف على القرارات الدولية وإدخال السلاح النوعي إليها، حيث تستطيع منظومات المافيا الإسرائيلية شبه الرسمية توفير الأسلحة دون مطاردة دولية نظراً لعلاقاتها القوية مع الأجهزة العالمية.
النظرة السياسية التقليدية تجاه الكيان الإسرائيلي أنه مدخل إلزامي لجميع العلاقات القوية مع الإدارة الأمريكية.
الاستفادة من مركز العلاقات العامة ومراكز الوساطة "الإسرائيلية" في تمديد الصلات الدولية وتعزيز الشراكات الاقتصادية.
صورة العلاقات العامة الإسرائيلية بأنها حريصة على أي انفتاح دبلوماسي مع أي دولة مقاطِعة، وأن انفتاحها على أي دولة تترافق معه تغييرات حقيقية في الدول المبادرة بالتطبيع.
انعدام تأثير الدول والتيارات المناهضة للتطبيع في القرارات الدولية والإقليمية، وعدم اشتراط المقاطعة في أي تعاون معها.
تراجع الأدوار العربية في الاستثمار الاقتصادي والتنموي لدى الدول المحتاجة للدعم والإسناد لتجاوز أزماتها.
مغالطات في اتجاهات التبرير:
-لا يقدم الكيان الإسرائيلي مساعدات مالية كبيرة وليس داخلاً في منظومة الدول المتبرعة للدول الأكثر فقراً رغم ارتفاع مدخولات الكيان.
-جميع المساعدات الإسرائيلية مربوطة بإستراتيجية عمل أمنية بهدف حماية الكيان الإسرائيلي ومحاصرة الدول التي يمكن أن تشكّل خطرًا عليها في المستقبل
-من المعلوم أن الدول العربية ذات العلاقة السياسية والأمنية القوية مع الكيان الإسرائيلي تتعامل في المستوى الإستراتيجي وفق مفهوم تطبيقي أن الكيان الإسرائيلي كيان معادٍ يتعارض وجوده وبقاؤه مع قوة البلدان العربية متفرقة أو مجتمعة.
-العلاقة مع الكيان الإسرائيلي مدخل لتوترات أمنية كبيرة نظراً لكونه داخلاً في صراع مفتوح على خلفية احتلاله أرضا شديدة القدسية ووجود قوى مقاتلة تعمل على طرد الاحتلال وإضعافه أينما كان، وتأكُّد حدوث ممارسات إسرائيلية تتجاوز الأعراف الدولية والقوانين في تصفية الخصوم والأعداء على أراضي الدول ذات السيادة.
-من المتوقع نمو الحركات المحلية المناهضة للتطبيع داخل هذه الدول ضمن أجندات سياسية معارضة، ما يعقد الأزمات السياسية داخل هذه البلدان المأزومة أصلاً.
-عدم وجود قراءة نقدية لمستويات النجاح الإسرائيلي في الدول التي تتمتع بعلاقات وطيدة معها، حيث إن مستويات الفشل عالية ولا تتعدى العلاقات الاستشارية أو الدبلوماسية أو التبادل المعلوماتي أو تقديم خدمات التأهيل الفني المحدودة.
-التعامل مع الكيان الإسرائيلي ذو كلفة سياسية عالية على المدى المتوسط والبعيد مع كل تصعيد في المعركة الدائرة داخل فلسطين.
-الخبرات الإسرائيلية الموعودة ليست دون أثمان كما يظن كثيرون، قد تضطر الدول المطبعة لدفع أثمان باهظة من أمنها واستقرارها وسمعتها وشعبيتها ونفوذها.
-وجود منظمات عالمية مناهضة للكيان الإسرائيلي تعمل بتنسيق كبير ومتصاعد في امتداد الجغرافية العالمية تحاصر نشاطات الكيان ومرافقه.
-وجود تكتلات إقليمية ودولية مناهضة للنفوذ الإسرائيلي في المنظمات الدولية تعمل على إفشال مبادرات الكيان ومشروعاته
-السمعة السيئة للكيان الإسرائيلي في مجال حقوق الإنسان والجريمة المنظمة وارتكاب المجازر والعنصرية.
-مع حرص الكيان الإسرائيلي على الانفتاح فإن ثمة ملفات عالقة لا يمكن لهذه العلاقة أن تلغيها أو تتجاوزها، بل سيزداد الضغط فيها، حيث تتوقع الدول الكبيرة أن تكون هناك مقايضات سياسية في مقابل العلاقة مع الكيان الإسرائيلي وهو ما يجعل الدول الكبيرة حذرة في قبول التطبيع واعتباره مراوغة سياسية إذا كان هناك استعداد لدى بعض الدول العاملة على التطبيع لتقديم تنازلات لأجل هذا التطبيع فثمة بدائل عديدة أقوى وأفضل من الكيان الإسرائيلي لتقديم التنازلات لها.
تمنيات :
وإذا تورطت أي دولة بالتطبيع فنعيد لكم بعض ما يتمناه الشعب الفلسطيني منكم لئلا تنجرفوا في التطبيع دون أن تنظروا وراءكم، وتنسوا بعض فضلكم القديم:
•نرجو منكم أن تعدّوا ما تفعلونه خياراً صعباً عليكم أو مساراً إجبارياً تحكمه علاقاتكم، وتقدّره ظروف دولتكم المعقدة، وليس سلوكاً سياسياً طبيعياً.
•ونرجو أيضاً منكم ألا تروّجوا لتطبيعكم هذا أو تسعوا لإيقاع دول أخرى به للادعاء بأنكم لستم وحدكم في هذا السلوك التطبيعي.
•ونرجو ألا تفخروا بهذا السلوك وتُظْهروه على أنه سلوك سياديّ مسؤول يراعي المصالح والمبادئ الأخلاقية.
•نرجوكم أيضاً ألا تسخروا من نضال الشعب الفلسطيني وجهاده ضد المحتل ورفضه سلوك أي جهة تطبيعية، ونرجو أيضاً ألا تحتجّوا علينا بسلوك فئة متنفذة من شعبنا منحتموها النفوذ ليكونوا الشرعية التمثيلية علينا بينما لا يكاد فردٌ من شعبنا يؤمن بغير طريق القوة لانتزاع حقه الذي لم يُجدِ معه سلوك التطبيع والتسويات عبر الدهر الطويل.
•ونرجو منكم التلطّف في إظهار مشاعركم السياسية بتحويلها إلى سلوك إنساني جميل مع المحتل الذي يمارس بحقنا القتل والطرد والتعذيب والسجن، فالخيار السياسي لا يعني السقوط الأخلاقي.
•ونرجو منكم ألا تكونوا خصماً لنا أو تتحولوا إلى أعداء لنا في الميادين الدولية والإقليمية وفي سياساتكم الداخلية، إذ يمكن للدولة ذات السيادة أن تتعامل مع جهتين متعاديتين بالمستوى السياسي نفسه أو بتمييز إحداهما على الأخرى باستخدام منطق السيادة نفسه.
•ونأمل ألا تتحولوا إلى بوق يروّج للدعاية الصهيونية في تثبيت مزاعمها بأحقيتها في أرض فلسطين وأحقيتها بإقامة وطن عليها وإعلان دولة يهودية فيها، إذ نظنّ أنكم لن تقبلوا يوماً بأن تتسلط فئة متجبرة عليكم، وتعلن نفسها ذات سيادة على أرضكم وأنهم أصحاب حق تاريخي فيها.
•نرجو أيضاً أن تتفهّموا المعارضة الشديدة لكم في خياركم هذا فلا يوجد شريف عربي أو مسلم أو حرّ يقبل أن تتلطّخ سمعته وسمعة شعبه بالتطبيع مع هؤلاء الأوغاد.