بعد أن تأكد للجميع استحالة تصفية المقاومة عن طريق القوة العسكرية، واستحالة تصفيتها عن طريق الحصار، واستحالة القضاء عليها من الداخل عن طريق المظاهرات الشعبية الناجمة عن الإجراءات العقابية، بعد أن تأكد لكل الأطراف حجم أوراق القوة التي تمتلكها المقاومة الفلسطينية في غزة، التي تتعاظم يوماً بعد يوم بالقدرات القتالية والالتفاف الجماهيري، بعد كل ما سبق، لم يعد أمام الصف المعادي للمقاومة إلا التسليم بهذه الحقائق، والانكسار أمام الواقع، والبحث عن طرق بديلة لمواجهة المقاومة، طرق تعتمد الأسلوب الناعم، والمتناغم مع أحوال الناس المعيشية.
لقد انتهت مرحلة العصا، لتبدأ مرحلة الجزرة، التي تتمثل في صرف رواتب للموظفين لمدة ستة أشهر، فتح المعابر على كل الاتجاهات، إقامة مشاريع اقتصادية، تطور البنية التحتية، وأشياء أخرى على الطريق، انتزعها الشعب الفلسطيني بإرادته، وقوة صموده، وبدمه النازف.
مرحلة الجزرة هذه تستوجب فرض المصالحة الفلسطينية، التي ستقوم على:
أولاً:تشكيل حكومة وحدة وطنية لفترة انتقالية، ترتب خلالها الأوضاع في غزة والضفة الغربية معاً، وفق رؤية وطنية عامة، تمهيداً للانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني.
ثانياً: اعتماداتفاقية القاهرة لسنة 2011، أساساً للمصالحة، لأن اتفاقية القاهرة تتضمن بند إعادة صياغة العقيدة الأمنية الفلسطينية، وتجرم في الوقت نفسه التعاون الأمني مع الصهاينة، وهذا هو السر في الربط بين تشكيل حكومة وحدة وطنية وتطبيق اتفاقية القاهرة لسنة 2011، إذ لا يمكن لحكومة الوفاق الوطني الحالية، التي لما تزل تعتمد التعاون الأمني طريقاً للبقاء، أن تكون جزءاً من الوحدة الوطنية.
إن التوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم التنظيمات الفلسطينية، يعني أن يشارك وزراء من حركة حماس والجهاد في حكومة لها النفوذ والسلطة على المؤسسات والأجهزة الأمنية في رام الله، وتعني أن يشارك وزراء من حركة فتح في حكومة لها السلطة والنفوذ على المؤسسات في غزة، وبالتحديد على غرفة العمليات المشتركة.
وهنا يبرز تساؤلان خطيران:
أولاً: هل سينجح وزراء حركة حماس في السيطرة على الأجهزة الأمنية التيتعتمد التنسيق الأمني، وترفض المقاومة وتطارد المقاومين؟
ثانياً: هل سينجح وزراء من حركة فتح في السيطرة على غرفة العمليات المشتركة، التي تعج بالسلاح، وترفض التنسيق الأمني، وتدعم المقاومة، وتبجل المقاومين؟
لضمان إنجاح حكومة الوحدة الوطنية لا بد من تطبيق قرارات المجلس المركزي الداعية إلى وقف التعاون الأمني مع الإسرائيليين فوراً، وإعادة صياغة العلاقة مع الاحتلال، كمقدمة للمصالحة، ولتسهيل عمل وزراء حكومة الوحدة الوطنية، وفي المقابل، لا بد من الاستمرار في تحقيق التهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي على حدود قطاع غزة، واستكمال المشاريع الاقتصادية التطويرية، بما في ذلك رفع العقوبات فوراً عن أهل غزة، وذلك لتسهيل عمل وزراء حكومة الوحدة الوطنية من الطرف الآخر.
حكومة الوحدة الوطنية معنية بالأخذ بيد الشعب الفلسطيني إلى الانتخابات، التي ستفرز قيادة جديدة قوية، لها القدرة على لملمة الصف، ورسم معالم مرحلة سياسية جديدة بإرادة كل قوى الشعب الفلسطيني.