الحرب على أشدها بين المقاومة الفلسطينية والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، حرب أدمغة وكفاءات ومعدات وتجهيزات وتكنولوجيا ومعلومات وأسرار واختراقات أمنية، حرب سرية وعلنية، فيها ما يقال للإعلام، وفيها ما يظل طي الكتمان، حرب تنفق عليها الأموال بغزارة، حتى تجاوزت ميزانية الأمن الإسرائيلي لهذا العام سبعين مليار شيكل؛ منها 8 مليارات شيكل لجهاز الموساد تقريباً، وأكثر من ذلك بقليل لجهاز المخابرات الإسرائيلية.
ورغم ضحالة الإمكانات المادية للمقاومة الفلسطينية، فإن التعويض عن نقص المال يتم من خلال غزارة الموارد البشرية؛ فالإنسان أنجع من الأموال، هذا هو عماد المقاومة بشقّيها العسكري والأمني، لذلك نجحت المقاومة أخيراً في تسديد ضربة قوية لأجهزة الأمن الإسرائيلية، حيث شلت عصب هذه الأجهزة بالمفاجأة والجرأة، وسرعة الرد، وأفقدتها التركيز حين تعمدت المقاومة نقل الحرب من السر إلى العلن، ونشرت عبر وسائل الإعلام صور أفراد الوحدة الخاصة الصهيونية، لتحقيق أهداف ميدانية عدة، ولكن الهدف الإستراتيجي الأهم يتمثل في إلحاق الضرر بسمعة إسرائيل الأمنية، ولطم التبجح الصهيوني على وجهه، وهذه هي الخسارة الحقيقية لصناعة الأمن الإسرائيلي، الذي وظف المعلومات الأمنية للربح والبيع والتجارة على مستوى العالم!!
لقد اهتمت إسرائيل بالصناعة الأمنية، حتى صارت من أهم مصادر الربح السياسي والدبلوماسي والمالي، ولا سيما حين زادت إسرائيل من استثمارها المالي في هذه الصناعة بنسبة 2% لهذا العام عن السنة الأخيرة، وقد اعترف نتنياهو بذلك حين قال: نحن مضطرون اليوم إلى الاستثمار أكثر في الأمن من أجل الحفاظ على إنجازاتنا، وضمان مواصلة نمونا الاقتصادي. إن الدمج بين قوتنا العسكرية والاقتصادية سيزيد من كون إسرائيل ذخرا بنظر دول أخرى؛ وبذلك ستتعزز أيضا قوتنا الدبلوماسية. هكذا يفكر نتنياهو، وهكذا يربط بين الأمن والاقتصاد والدبلوماسية.
وسط هذا الضجيج الإعلامي عن تطور الصناعة الأمنية الإسرائيلية جاء نشر صور عملاء الوحدة الصهيونية الخاصة التي دخلت خانيونس طعنة أربكت انتصارات إسرائيل الأمنية وهي في ذروة المساعي لتصديرها إلى ملوك ورؤساء الدول العربية أولاً، وإلى الأحزاب والقوى السياسية في أوروبا ثانياً، حيث تفاخر نتنياهو كثيراً في خطابه أمام الأمم المتحدة في أيلول من هذ العام بقوة إسرائيل الأمنية والتكنولوجية، وقدرة إسرائيل على مساعدة العديد من الدول في الحفاظ على أمنها، والأخذ بيدها على طريق التطور التكنولوجي.
إعطاب المقاومة الفلسطينية الصناعةَ الأمنيةَ الإسرائيليةَ لم يكن الانتصار الأول على أرض غزة، فقد سبق وأن أفسدت المقاومة الفلسطينية صناعة الدبابة الإسرائيلية ميركافاه، التي ذاع صيتها، وانتشرت مواصفاتها القتالية كأفضل دبابة عالمية، فجاءت المقاومة الفلسطينية البدائية فدمرتها، ليتراجع مبيع هذه الدبابة الواهية، وتهزم على أرض غزة.
بالإضافة إلى ما سبق، فقد دمرت المقاومة الفلسطينية قدرات القبة الحديدية التي ذاع صيتها الإعلامي، حيث نجح رجال المقاومة في تحييدها في المواجهة الأخيرة مع غزة، واقتصار نجاحها على 25% فقط، وهذه ضربة قوية للأمن والاقتصاد والإعلام الإسرائيلي.
جملة النجاحات الفلسطينية السابقة هي التي عززت ثقة الفلسطيني بنفسه، ووطدت العلاقة بينه وبين مقاومته، فصار يفتخر بانتمائه إلى فلسطين المقاومة، وصار أكثر استعداداً للتضحية والعطاء من أجل وطنه فلسطين، فكان استرداد الوطنية الفلسطينية إحدى النتائج الإيجابية للائتلاف الميداني على أرض غزة، الذي يتصدى ميدانياً لصفقة القرن، من خلال غرفة العمليات المشتركة، والهيئة العليا لمسيرات العودة، كأطر وطنية فلسطينية، ما انفكت قائدة للعمل الوطني الفلسطيني، تنبض بالعنفوان، وهي تحمل راية تحرير فلسطين.