فلسطين أون لاين

ذكريات مزارع مع الذهب الأصفر وتعمد الاحتلال إطفاء بريقه

...
المزارع صابر الأشقر
غزة - صفاء عاشور

الحمضيات سيدة فواكه قطاع غزة والذهب الأصفر لأهلها، ففي ثمانينيات القرن الماضي كان لا يأكلها إلا الأغنياء، وكان يخصص المزارع لها عامًا كاملًا لتجهيز الأرض وزراعتها والاعتناء بالأشجار المزروعة ليبدأ موسم القطف والتنظيف ثم التشميع والتصدير.

ذكريات كثيرة سردها علينا المزارع صابر الأشقر، الذي عاصر الزمن الجميل للحمضيات التي كانت تعد الأجود في العالم، ويتهافت الجميع على استيرادها من القطاع، لتصدر بعد ذلك إلى الدول الأوروبية والعربية كافة.

ولكن هذه الذكريات أصبحت من الماضي، وأصبح الحديث عن الحمضيات، وتاريخ غزة المرتبط بها شيئًا للتسالي، أو لاستذكار الأيام الجميلة في أثناء العمل بها.

صابر الأشقر الذي تجاوز خمسين عامًا الآن ما يزال يعمل في زراعة الحمضيات والاعتناء بأرض "بيارة الريس"، التي هي من الأراضي القليلة التي لا تزال تُزرع فيها الحمضيات منذ ثمانينيات القرن الماضي.

يقول لـ"فلسطين": "قديمًا الحمضيات كانت المحصول الأول لكل مزارعي القطاع، وكان العمل فيه يأخذ العام بأكمله، فكان يخصص المزارع كل وقته لهذا المحصول الذي كان يدر عليه دخلًا جيدًا".

ويضيف الأشقر: "كان في الماضي يوجد ما يقرب من خمسة عشر مصنعًا في قطاع غزة وحده، متخصصة في تصدير الحمضيات إلى الدول الأوروبية والعربية، لكن هذه المصانع أغلقت بعد تجريف كثير من الأراضي، وعدم وجود محاصيل لتصديرها، والأسواق المحلية لم تكن قادرة على استيعاب ما كان يزرع".

ويلفت إلى أنه في الماضي كان التاجر يرجو مزارعي الحمضيات بيعه نصف طن منها ولا يوافقون، أما الآن فالحال تغير، وأصبحت أسعار الحمضيات بغزة تتدنى ليصبح سعر الكيلوجرام من أحد أصنافها بشيقل واحد فقط.

ويذكر الأشقر أن الاحتلال الإسرائيلي كان يتعمد تجريف الأراضي الزراعية المزروعة بأشجار الحمضيات، حتى لا يعود المزارع لزراعتها مرة ثانية، خاصة أنها تحتاج ما لا يقل عن 4-5 سنوات حتى تبدأ الإثمار.

ويبين أنه طوال سنوات الثمانينيات كانت عملية تصدير الحمضيات مستمرة رغم عراقل الاحتلال وتجريفه الأراضي، لكن مع بدء الانتفاضة الأولى في 1987م فرض الاحتلال حصارًا على قطاع غزة، ومنع تجول المواطنين وذهابهم إلى أراضيهم الزراعية.

ويكمل الأشقر: "وزادت وتيرة تجريفه الأراضي المزروعة بأشجار الحمضيات"، مبينًا أن الأرض التي يعمل بها طال التجريف جزءًا كبيرًا منها، خاصة أنها قريبة من مستوطنة (نتساريم).

ويستدرك: "لكن مع مجيء السلطة الفلسطينية قطاع غزة عدنا لزراعة الأرض بالحمضيات، مع إدخال بعض الأصناف الجديدة والأنواع التي يمكن أن تلقى إقبالًا عليها، إذ استبدل بالبلنسيا، والشموطي، والمندلينا، والكملنتينا البلدية أصناف أخرى كالكلمنتينا المخال، والبومليت، والبرتقال أبو سرة، والفرنساوي، وكلها أصناف تزرع حاليًّا في القطاع".

ويشير الأشقر إلى أن إنتاج الحمضيات في الوقت الحالي أصبح أفضل، بعد إدخال كثير من التحسينات على طرق الزراعة والرعاية بالأشجار، والتغلب على ملوحة المياه التي كانت سببًا رئيسًا في تراجع زراعة أشجار الحمضيات التي تعتمد على المياه العذبة.

ويؤكد أن القطاع ينتج اليوم أفضل أنواع الحمضيات في العالم كله رغم حصار الاحتلال الإسرائيلي، إذ استطاع المزارعون التغلب على ملوحة المياه والاستفادة من مياه الأمطار.

ويشدد الأشقر على أن المشكلة الرئيسة تبقى حصار الاحتلال الإسرائيلي، ومنعه المزارعين من تصدير الحمضيات، حتى لا تنافس إنتاج مستوطنات الاحتلال الإسرائيلي التي تصدر الحمضيات إلى الخارج بكميات كبيرة.