يؤكد مراقبون أنه رغم بسالة المقاومة الفلسطينية في صد العدوان الأخير على قطاع غزة، فإن الكثير من القدرات و"المفاجآت" لم تكشفها بعد، موضحين أنها بعثت رسائل عسكرية وسياسية تدلل على امتلاكها قوة كبيرة، إذ أطلقت في غضون يومين مئات الصواريخ التي كبدت الاحتلال خسائر متعددة.
وأظهرت تلك الصواريخ، بحسب المراقبين، دقة إصابة عالية وقدرات تدميرية أكبر من السنوات السابقة عجزت القبة الحديدية الإسرائيلية عن التصدي لها، وقد ظهرت قيادة المقاومة قوية وموحدة ومتماسكة، ودخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ مع تحقيق الأخيرة إنجازات كبيرة، كشفت عن عناصر قوة تمتلكها مقابل ضعف يسود الاحتلال، وينبئ بوجود تغيير كبير في ميزان القوى لمصلحة المقاومة.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون: إنه "يجب إدراك أن المقاومة لم تظهر جميع ما لديها، وإمكاناتها، وأنها ألمحت خلال جولة التصعيد الإسرائيلي الأخيرة على غزة، إلى تطورها الكبير ومهنية وحرفية عاليتين في إدارة الجولة وذلك نتيجة عوامل عدة".
العامل الأول كما يضيف المدهون لصحيفة "فلسطين"، يرجع لقوة التحكم الميداني، أي أن قيادة المقاومة تستطيع التحكم بكل صاروخ وقذيفة، وهذا ما أظهره ضرب المقاومة حافلة نقل جنود، فخرجت العملية لتحمل رسائل سياسية أعمق من أي رسائل ميدانية، في حين العامل الثاني الاستثمار الإعلامي لحادثة "كمين العلم" التي استهدفت جنود الاحتلال في شباط/ فبراير الماضي وأسفرت عن مقتل وإصابة ستة ضباط وجنود إسرائيليين كانوا في محيط العملية.
والعامل الثالث الذي تميزت به الجولة، وفق الكاتب السياسي، تطور نوعية الصواريخ التي ضربت مدينة "عسقلان" المحتلة، والتي تحمل قوة تفجيرية أكبر من ذي قبل، بالإضافة لتكثيف إطلاق الصواريخ على مساحة جغرافية محدودة، ما يعد تطورا في الفكر والأداء العسكري المقاوم.
والعامل الرابع بحسب المدهون، هو وجود حالة من التوحد لدى قيادة المقاومة من خلال غرفة العمليات المشتركة، مردفا: "هذا مؤشر على أننا اقتربنا أن نكون جيشا موحدا".
وبين أن المقاومة أرسلت رسائلها بوضوح، وفاجأت الاحتلال وباغتته، ونجحت في الموازنة بين العمل الميداني والسياسي، لافتا إلى أن المقاومة تستطيع استثمار الإنجازات الميدانية سياسيا.
مراكمة القوة
الخبير في الشأن الإسرائيلي فرحان علقم، يقول: إن "السنوات الأربع الماضية التي راكمت خلالها المقاومة قوتها، سواء على صعيد التسليح أو العتاد والتدريب، لوحظ في الجولة الأخيرة، خاصة أنها بدأت بصد العدوان الإسرائيلي منذ بدايته بغرفة عمليات مشتركة، في تجربة رائدة سبقتها بتشكيل هيئة وطنية عليا لإدارة مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار السلمية، والتحام الجماهير مع المقاومة".
ويضيف لصحيفة "فلسطين": "أبرز ذلك أداءً قويا في التصدي للاحتلال، وقصر عمر جولة تصعيده التي انتهت بهزيمته التي اعترف بها قبل غيره وعبر عنها ساسة وعسكريون إسرائيليون قبل الجمهور إقرارا بهذا الفشل".
ويرى علقم أن الإستراتيجية التي اتبعتها المقاومة حسمت المسألة منذ اللحظة الأولى، فضلا عن عملية تدمير الحافلة التي أرسلت فيها رسائل تحذيرية بأنها قادرة على إيقاع خسائر كبيرة، وتوحدت الرسالة مع ما جرى في الواقع من إطلاق صواريخ تجاه المستوطنات المحاذية لغزة، ما أجبر رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على إنهاء العدوان.
ويبين أن المقاومة فرضت معادلة "القصف بالقصف" على أرض الواقع، ورأى الاحتلال أنه يتعرض لخسائر، ما يعني انتهاء عهد تدميره منازل المدنيين في قطاع غزة، دون حدوث دمار في المستوطنات.
ويوضح علقم أن إطلاق المقاومة مئات الصواريخ في أقل من 40 ساعة ردا على العدوان الإسرائيلي، يشير إلى قدرتها على إطلاق آلاف الصواريخ، وإلى حجم الترسانة العسكرية التي تمتلكها من عتاد وذخائر، كما ونوعا، لافتا إلى أن رد المقاومة أظهر دقة عالية في الصواريخ، في توقيت تتحدث فيه تقارير عبرية عن عدم جهوزية جيش الاحتلال لمواجهة واسعة مع غزة.
ويضيف: "جبهة الاحتلال الداخلية ليست مستقرة، حيث لا تستطيع تحمل كثافة الصواريخ التي أصبحت أكثر دقة وتدميرا، فضلا عن أنه لا يمكن حسم العدوان من الجو، وفي البر سيجر جيش الاحتلال أذيال الهزيمة".
ويؤكد علقم أن المقاومة حققت الكثير من الإنجازات، منها سقوط نظرية الأمن الإسرائيلية، وإظهار حجم الارتباك في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر "الكابينت".
ويتابع علقم: "إن المقاومة تثبت قولا وفعلا عجز الاحتلال عن شن عدوان واسع على غزة، فضلا عن أن استقالة وزير جيش الاحتلال أفيغدور ليبرمان تمثل إنجازا للمقاومة".