مُنيت أجهزة استخبارات الاحتلال بالفشل الكبير والمتسلسل، بدءًا بعملية التوغل الاستخباراتية الفاشلة شرقي خانيونس جنوب قطاع غزة، وليس انتهاءً بإخفاق هذه الأجهزة في الكشف عن عمليات المقاومة المختلفة التي جرت خلال التصعيد الإسرائيلي الأخير ضد قطاع غزة.
وتجلى الإخفاق الاستخباراتي الإسرائيلي، بكشف المقاومة أمر الوحدة الخاصة الاحتلالية التي تسللت إلى شرقي خانيونس الأحد الماضي، وما هي إلا ساعات قليلة حتى وجهت المقاومة ضربة جديدة لدولة الاحتلال، تمثلت بقصف حافلة عسكرية إسرائيلية كانت تقل جنوداً على حدود غزة بصاروخ "كورنيت" موجه ما أدى إلى تدميرها، في مهمة ناجحة لم تفلح منظومة الاستخبارات الإسرائيلية برصدها وكشفها مسبقاً.
وتوالت ضربات فصائل المقاومة لهذا الاحتلال الإسرائيلي الهش، من خلال إطلاق مئات الصواريخ من مناطق مختلفة من القطاع تجاه المستوطنات المحاذية للقطاع، دون قدرة جيش الاحتلال على تحديد أماكن إطلاق هذه الصواريخ، الأمر الذي جعل من هذه المنظومة الاستخباراتية الإسرائيلية "في خبر كان"، بحسب مراقبين.
وعقب وقف إطلاق النار بين المقاومة في غزة وقوات الاحتلال الثلاثاء الماضي، وانقشاع غبار المعركة، كان واضحاً حجم تأثير هذا الإخفاق الأمني الإسرائيلي، على حكومة الاحتلال ومجلسها المصغر (الكابينت)، إذ نشبت بين أقطابه خلافات حادة حول ضعف الأداء الإسرائيلي أدى في النهاية إلى إعلان وزير جيش الاحتلال أفيغدور ليبرمان استقالته الأربعاء الماضي.
مشهد إخفاق متكامل
المحلل السياسي والخبير في القضايا الأمنية في قطاع غزة، أيمن الرفاتي، يرى أن (إسرائيل) تعيش أسوأ إخفاقاتها الأمنية والعسكرية، بعد نجاح منظومة أمن المقاومة في حماية قطاع غزة من خداع الاحتلال وحيله وأجهزته الاستخباراتية.
وقال الرفاتي لصحيفة "فلسطين": "الواضح أن ما جرى بدأً بفشل أجهزة استخبارات الاحتلال بتأمين مهمة القوة الخاصة الإسرائيلية التي تسللت شرقي خانيونس، مروراً بالفشل في إحباط عملية ضرب الحافلة الإسرائيلية، وليس انتهاء بالإخفاق في إحباط عمليات إطلاق صواريخ المقاومة تجاه المستوطنات المحاذية للقطاع، ما شكل مشهداً متكاملاً من الإخفاق والفشل المتتابع لدى أجهزة أمن الاحتلال واستخباراته".
وأضاف: "عملية تسلل القوة الخاصة الاحتلالية شرقي خانيونس كانت خطيرة للغاية، خاصة لو كانت تهدف لزرع أجهزة تجسس أو اختطاف شخصية قيادية في المقاومة، أو جمع معلومات استخباراتية ميدانية، وهذا هو مكمن الخطورة على المقاومة التي تكفلت بحماية القطاع من أي عدوان إسرائيلي".
وبالنظر لخلفية هذه الأحداث الأمنية والعسكرية المتتابعة التي عاشها قطاع غزة أخيراً، أشار الرفاتي إلى أن الاحتلال لا يزال يستخدم أدواته العسكرية والأمنية خلال مدة الهدوء، وهذا الأمر يمثل تطبيقاً عملياً لخطة جدعون ووثيقة الجيش التي صدرت عام 2015 التي أقرها رئيس هيئة الأركان في جيش الاحتلال غادي إيزنكوت بجعل القوات الخاصة هي رأس الحربة خلال المرحلة المقبلة.
وتابع: "الهدف من هذه الخطة هو أن يبقى جيش الاحتلال وأجهزته الاستخباراتية تعمل على توفير أطول مدة هدوء ممكنة، لإحباط استعدادات المقاومة وتجهيزاتها لأي حرب مقبلة، مثل إنشاء الأنفاق وتهريب السلاح وتصنيعه، ومنع المقاومة من تطوير قدراتها العسكرية المختلفة".
وقال المحلل السياسي: إن هذه الخطة "انتهت بفشل ذريع، بعد تمكن المقاومة من حصد إنجازات عديدة في أيام قليلة أهمها كشف الخلية الاستخباراتية المتوغلة شرقي خانيونس وإيقاع خسائر فيها، والنجاح في تنفيذ عمليات عسكرية على مرأى من جنود الاحتلال وأجهزته المختلفة".
وبيّن الرفاتي أن إنجازات المقاومة المتتالية في إحباط عمل الاستخبارات الإسرائيلية، شكلت رسالة واضحة لدولة الاحتلال تفيد بأن المقاومة باتت لديها القدرة على إحداث خسائر فادحة في صفوف أي قوات تحاول التسلل لغزة.
وأردف: "يمكن القول إن المقاومة فرضت نظرية ردع جديدة مع الاحتلال حالياً، وهي المعادلة التي عبرت عنها وسائل إعلامية مختلفة بقولها إن ما جرى يعد (بروفة صغيرة) لما سيحدث في حال شنت (إسرائيل) حرباً موسعةً ضد قطاع غزة".
خطوة للأمام
الخبير في القضايا الأمنية في قطاع غزة محمد أبو هربيد، يرى أن ما جرى من أحداث أمنية وعسكرية بين المقاومة وقوات الاحتلال الأسبوع الماضي، يثبت أن المقاومة كانت دائماً تسبق استخبارات الاحتلال خطوة للأمام، مؤكداً أن المقاومة ألحقت هزيمة قاسية بالمستويين الأمني والعسكري الإسرائيليين.
وقال أبو هربيد لصحيفة "فلسطين": "الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي كان بسبب سوء تقدير الموقف"، مضيفا: "الاحتلال عندما فكر باختراق القطاع، كان لديه تقدير أن هناك مستوى أمنيا أقل من المستوى الأمني الإسرائيلي، وكان يعد أنه أذكى من أمن المقاومة نتيجة نجاحاته في بعض الدول العربية بتنفيذ عمليات اغتيال".
ولفت أبو هربيد إلى أن ما عزز من فشل العمل الاستخباراتي الإسرائيلي الذي جرى أخيراً بغزة، هو "رغبة مسؤولي أجهزة استخبارات الاحتلال بالاستعراض والتفاخر بمستوياتهم الأمنية بهدف تحقيق الثقة في المجتمع الإسرائيلي".
وتابع: "حب الاستعراض والرغبة بتحقيق انتصارات أمنية مثّلا إشكالية كبيرة لدى أجهزة استخبارات الاحتلال وجعلاها متهورة في القيام بمهامها دون حسابات دقيقة".
ولفت إلى أن الفشل رافق استخبارات الاحتلال حتى في مراحل ما بعد عملية خان يونس، وقال: "كان هناك تقدير موقف خطأ آخر لدى استخبارات الاحتلال أن المقاومة ستكتفي بقتل الضابط الإسرائيلي وأن العملية انتهت".
وأضاف الخبير في القضايا الأمنية بغزة: "ولكن الاحتلال تفاجأ في مسألتين لم تكونا بحسبانه، الأولى إقدام المقاومة على ضرب حافلة نقل الجنود، والأخرى جرأة فصائل المقاومة في اتخاذ قرار جريء وشجاع ببدء الرد الصاروخي على التصعيد الإسرائيلي".
وختم حديثه بالقول: "يمكن القول إن ما فعلته المقاومة لم يكن في حسبان الاحتلال وأجهزته الأمنية والعسكرية وحتى السياسية، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح (الإخفاق الشامل) إذ إن الفشل لم يقف عند حدود العمل الاستخباراتي فقط، بل شمل جميع الجوانب".