تميزت إبداعات المقاومة في العدوان الأخير بعدة أشياء وازنة كان لها أثر كبير في ساحة المواجهة، خاصة ونحن نتحدث عن حرب غير متكافئة في الإمكانات والقدرات فلا بد من الأقل قوة مادية أن يخرج من مكنوناته ما يفاجئ به عدوه وأن يضرب بنقاط قوته مواضع ضعف عدوه، وقد كان من أهم هذه الاشياء غرفة العمليات المشتركة حيث التفكير الجماعي في قرارات حساسة وخطيرة تمتزج فيها الأبعاد العسكرية والسياسية وأبعاد الحرب المادية والنفسية وتقديرات القوة المادية والمعنوية للذات والعدو، وكانت القرارات الحكيمة والحازمة في تقدير حجم المعركة القائم على الحفاظ على قوة الردع وتوازن الرعب وفي نفس الوقت تجنيب القطاع حربا شاملة لا يريدها أحد، وقد تزيد الناس ارهاقا على ما هم فيه من بؤس وضنك نتيجة الحصار والحروب التدميرية السابقة.
هذه المشاركة الجماعية في قرارات الحرب والسلام كان لها الأثر الكبير في السير بالمواجهة على أفضل الطرق الممكنة كما رأينا، وكان هذا أيضا الرد على كل من يحاول الاستفراد بحماس والضغط عليها من أجل السير بالأمور على منحى مختلف، الرد هو أن القرار جماعي ولا بد من الرجوع الى أصحاب هذا القرار ومن يملكون صلاحية القرار، وهذا هو سر الفرق الشاسع بين الدول الديمقراطية والديكتاتورية إذ يصعب في الأولى الضغط على هذه الدول لأن هناك أطرا جماعية لاتخاذ القرار لا يمكن تجاوزها، بينما يسهل في الثانية الضغط على الزعيم الملهم صاحب القرار الأعلى والأوحد، ثم إن هذه الغرفة المشتركة تجعل من قرارها قرارا للجميع الكل ينتمي اليه ويدافع عنه ويتحمل كامل المسئولية المترتبة عليه ، لقد كانت هذه الغرفة علامة نجاح بامتياز في إدارة المواجهة .
وهذا أيضا ينطبق على مسيرات العودة وسبل اتخاذ القرارات الخاصة بها وهذا هو سر من أسرار نجاحها، ولنا أيضا في القيادة الوطنية الموحدة لانتفاضة الحجارة عام 1987 التي تشكلت لقيادة فعالياتها، خير مثال، تشكلت من الفصائل الوطنية والاسلامية وقادت الانتفاضة بفاعلية عالية، وما جرى من مفاوضات سرية في أوسلو التفّ على رقبة هذه القيادة الوطنية الموحدة والتفّ أيضا على رقبة الوفد الفلسطيني العلني بقيادة الدكتور حيدر عبد الشافي، وكان للمفاوضين في هذا الأسلوب السري أن يضغط عليهم وأن تنتزع منهم أشياء ما كان لها ان تتم لو كان لها مرجعية جماعية أو غرفة عمليات مشتركة.
هذا المثال الناجح في صناعة القرار الفلسطيني وقيادة المواجهة في أصعب الظروف وأشدها حلكة يدعونا للبناء عليه، ولنا أن نتساءل: لم لا تتشكل غرفة عمليات مشتركة من شخصيات معروفة برجاحة العقل والحكمة السياسية، ليفرز كل فصيل حكيمه إضافة إلى شخصيات مستقلة ومعروفة بروحها الوطنية وتاريخها الاصلاحي والمعرفي والخبرة الواسعة ولتتشكل غرفة عمليات مشتركة لطي صفحة الانقسام وإعادة الوحدة الفلسطينية من جديد. أعلم أن الحديث عن انهاء الانقسام اصبح ممجوجا وضربا من الخيال عند البعض كما الحديث عن الوحدة العربية.. لكننا عندما نرى النجاح الفلسطيني يتجلى بأبهى صوره، وعندما نرى أن الفلسطيني قادر على تجسيد الوحدة وقادر على التفكير الجماعي وقادر على صناعة القرار الموحد ( كما رأينا في غرفة العمليات المشتركة) فإننا نتفاءل من جديد وندعو الى الاستفادة من هذه التجربة التي أثبتت جدارتها وأثبتت أننا قادرون على السير في القضية بالاتجاه الصحيح.