فلسطين أون لاين

​"بركة" الشهداء والوحدة الوطنية من أسباب النصر

...
الشهيد بركة جمع بين القرآن والجهاد
غزة/ أسماء صرصور:

يومان مرّا على قطاع غزة، بين غارات الاحتلال الإسرائيلي وصواريخ المقاومة الفلسطينية التي تدك المغتصبات، انتصارًا لشعب قدّم الغالي والنفيس، وانتصارًا لشباب استُشهدوا وهم يقدمون أرواحهم رخيصةً للذود عن أمن وطنهم وشعبهم.

"فلسطين" حاورت أستاذ الشريعة الإسلامية د. صادق قنديل لتعرف منه أهم الدروس والعبر المستخلصة من انتصار المقاومة الفلسطينية بفصائلها كافة على المحتل الإسرائيلي الغاشم، والتفاصيل تتبع..

يتحدث د. قنديل أولاً عن أن هذه الأيام القليلة التي مرّت أظهرت القدوات التي تمثل الطريق التي لا يخطئ سالكها، متمثلة في استشهاد الشيخ الشهيد المجاهد نور الدين بركة، مبينًا أنه يمثل القدوة العملية والحية في الأنموذج الذي كان في زمن السلف الصالح.

ويوضح أن الشهيد بركة جمع بين القرآن والجهاد، وبين العمل والعلم، وهو في الحقيقة الأنموذج الذي نحن بحاجة إليه، مضيفًا: "فكأن الله منح هذا الشهيد كرامة منه بأن يجعله قدوة للأجيال القادمة والمجاهدين الباقين على الطريق في أن يتمثلوا ما تمثل هذا الشهيد من جمعه بين الحياة الدنيا والآخرة في ظلال القرآن الكريم".

ويعتقد أستاذ الشريعة الإسلامية أن الدرس المستخلص من حادثة استشهاد الشهيد بركة مع إخوانه، والحدث الذي ترتب عليه بعد ذلك أدى إلى بروز نجم الشهيد مع أنه قبل لحظات لم يكن معروفًا في الأوساط المحلية ولا العربية ولا العالمية.

ويشير إلى أن وسائل الإعلام والكتاب والشعراء والمثقفين والدعاة تناقلوا سيرته، وكتبوا كثيرًا عنه، وركزوا على أنه رجل الفقه والعلم والقرآن، وفي الوقت ذاته رجل الجهاد، عادًا استشهاده وبروز اسمه كرامة لحركة حماس وكتائب القسام وفصائل المقاومة عامةً، أن في صفوفهم مثل هذه النماذج التي تبشر الأمة عمومًا بأن النصر قريب، ورسالة طمأنة لكل من يريد سلوك طريق الشهيد بركة.

وينتقل د. قنديل للحديث عن عبرة وعظة ثانية مستخلصة من انتصار المقاومة، بقوله: "يمر العالم بعدد من الحوادث المؤلمة التي حدثت على مستوى دول عدة، التي وضعته في حالة البؤس واليأس"، متابعًا: "فحدثت هذه المعركة القصيرة لترسل رسالة قصيرة بالنظر إلى خزائن القوة والانقضاض على الظالمين وعلى رأسهم اليهود والملاعين".

ويلفت إلى أن ما حدث هو كرامة من الله تعالى يجب استخلاص العظة والعبرة منه، ومعالجة نقاط الضعف حتى الوصول إلى الهدف المنشود، ونكون أصحاب فضل على الأمة وفق قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ"، موضحًا أن الله سيظهر الكرامة بعد موت المجاهد حتى يكون العمل مقبولاً بعد موت المجاهدين والصالحين حتى يصبحوا نبراسًا لمن بعدهم.

ويقول: "من النصائح التي يمكن توجيهها للمقاومة ضمن استخلاص العبر، ولمن انتصر وحقق النصر لشعب غزة من المقاومين والمجاهدين": عدم النزول عن جبل الجهاد، والمحافظة على وحدتهم كما حافظوا على كلمتهم في ما تعرف بغرفة العمليات المشتركة، وأن تكون كلمتهم ووحدتهم موجودتين في كل وقت وفي كل عمل وليس في العمل العسكري فقط.

ويدعو أستاذ الشريعة الإسلامية المقاومين لضرورة مراقبة من يلتفون حول الجبل ومِن ورائه من طابور العملاء، ويلهثون خلف الاحتلال الإسرائيلي، وهم مستعدون لتقديم كل الخدمات للاحتلال، مدللاً بالتغريدات على موقع تويتر، والمنشورات على موقع فيس بوك التي كانت تدعو لنصر الاحتلال على غزة.

ويذكر قوله تعالى: "إن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ"، مشددًا على ضرورة التزام المقاومين الجبل وعدم النزول عنه والتنبّه للمنافقين والعملاء.

ويبين أهمية الالتزام بمنهج النصر، وفق قوله تعالى: "فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"، موضحًا أن ذلك يكون بالامتثال لقوله تعالى: "التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ".

ويتابع: "لذا يلزم تفعيل التوبة، والعبادة، والحمد، والسجود، والركوع، والأمر بالمعروف، والحفاظ على المجتمع، وعلى حدود الله"، مؤكدًا أن كل هذا سيحافظ على بشارة الانتصار وسيسوق البشرى للقوم المؤمنين.

وأخيرًا يستخلص د. قنديل العبرة من سورة التوبة، في قصة تجهيز الرسول للخروج في غزوة تبوك، ومجيء المنافقين إليه وعرضهم عليه بناء مسجد، وأطلق عليه الله تعالى في كتابه اسم ضرار مخلدًا قصته في الآية: "وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ".

ويربط قصة مسجد ضرار بالأنظمة التي تطبّع اليوم مع الاحتلال الإسرائيلي، واستضافة كتاب وإقامة مناورات، وغيرها من فعاليات معه، منبهًا إلى أن العبرة التي يجب أن نستخلصها نحن من الموقف أنهم قوم لا يريدون لنا الخير، وأهمية الاقتراب أكثر من المنهج الذي خطه الشهداء بدمائهم، وأنه لو سلكت الأجيال السابقة طريق المقاومة لما طال عمر الاحتلال الإسرائيلي حتى الآن.