ثلاث دقائق كان على 17 عائلة بأطفالها ونسائها إخلاء منازلهم خلالها، بعد 11 صاروخًا أطلقتها طائرات استطلاع احتلالية على المبنى السكني الذي يقطنونه وسط مدينة غزة، أمس.
كانت هذه الصواريخ مقدمة لصاروخين آخرين، ولكن هذه المرة أطلقتهما طائرة حربية من نوع "إف 16".
وبداية هذه الجريمة الاحتلالية، كانت عندما تلقى نجل مالك المبنى وبعض السكان فجرًا اتصالات تفيد بأنه سيُقصف.
ويقول نجل مالك المبنى، شادي اليازجي، الذي يقطن وشقيقه في إحدى شققه: إنه مكون من خمسة طوابق سكنية يقطنها مواطنون أصحاب درجات علمية رفيعة، وأسفله مركز للغات، ومحل للملابس وآخر للتحف، ونادي حديد.
اعتقد السكان أن الاتصالات لا تعدو كونها "مزاحًا" من مواطنين آخرين، لكنهم تيقنوا من جديتها مع انهمار صواريخ طائرات الاستطلاع، بحسب اليازجي.
هرع كل منهم للنجاة بنفسه وأولاده وزوجته عبر إخلاء المنازل، دون أن يتمكنوا من اصطحاب أموالهم، ويضيف اليازجي (27 عامًا): "تركنا مالنا ودمنا (في إشارة إلى التكلفة العالية لهذا المبنى)".
ولاحقا حوّل الصاروخان من طائرة "إف 16" المبنى إلى حطام تنبعث منه الأتربة والدخان الكثيف الذي سببته شدة القصف.
كأنما لف هذا المبنى، الذي يتوسط عمارتين، ما يبدو كالضباب، وتناثرت حجارته وانهالت أعمدته أمام أصحابه.
وأمام المبنى الذي يقع على مقربة من مسجد، وسلسلة من المنازل، امتلأ الطريق بالركام، وبعض المركبات هناك قد تضررت.
شدة صوت الصواريخ التي استهدفت المبنى لتشريد سكانه، اخترقت منازل أهالي الحي بأطفالهم ونسائهم وشيوخهم في جنح الظلام.
وتتنوع الشقق داخل المبنى بين مستأجرة ومملوكة. ويشير اليازجي بيديه إلى الركام قائلًا: "صاروخا إف 16 فعلا ما تراه".
ويصف حال السكان حينئذ بقوله: "بعد الاتصالات وبدء القصف (من طائرات الاستطلاع) بدأ الجميع بالنزول مصطحبًا عائلته".
وعن وجهة هؤلاء بعد تشريدهم من منازلهم، يوضح أن كلًّا منهم اضطر للتوجه إلى منازل أقاربهم.
يقف اليازجي الآن على مقربة من أطلال المبنى الذي تحول إلى مكان يقصده صحفيون وحقوقيون ومواطنون.
ويبدي الشاب عدم ثقته بإمكان أن يكون هناك دور دولي لمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه، قائلًا: إن ما تعرض له هذا المبنى جزء من الجرائم الكبيرة التي يرتكبها الأخير.
مؤسسات خيرية
ولم يكن هذا المبنى الوحيد الذي يستهدفه الاحتلال الإسرائيلي، فقد قصف منازل متعددة أحدها تملكه عائلة البريم، في خانيونس، وآخر تملكه عائلة ضهير في رفح جنوب القطاع، ومنزل لعائلة أبو ناجي في غزة.
قبيل الحادية عشرة، أمس، علم الغزي نايف المدهون (46 عاما) أن اتصالات تلقاها مواطنون تفيد بقصف مبنى الرحمة في غزة، التي افتتح في أحد محالها مطبخًا بعد استئجاره، بصواريخ من طائرة استطلاع احتلالية.
ويقول المدهون بينما كان جالسًا أمام المبنى المدمر برفقة أصدقائه: "عندما حضرنا وجدناها مدمرة بصاروخين من طائرة حربية إف 16، بعد ضربها بأربع صواريخ من طائرة استطلاع".
وحسبما يؤكد لصحيفة "فلسطين": دمرت طائرات الاحتلال المبنى بعد ربع ساعة من آخر صاروخ أطلقته طائرة الاستطلاع.
وعلى وجه السرعة، أُخلي المبنى –الذي تضم طوابقه مؤسسات خيرية- دون أن يتمكن أحد من إنقاذ أي ممتلكات، يتابع حديثه.
وينطبق ذلك عليه أيضًا، إذ لم يتمكن من النجاة بأي من ممتلكاته في المطبخ الذي تبلغ تكلفته 200 ألف دولار؛ وفق روايته.
ويشغل هذا الغزي في مطبخه 20 عاملًا، ما يعني أن 20 أسرة باتت بلا مصدر دخل بفعل هذه الجريمة الاحتلالية التي يصفها بأنها بشعة.
لكنه يبدي إرادة وأملا بأن يتمكن من العودة سريعا إلى ممارسة عمله رغم هذه الخسائر الفادحة، لا سيما أن أسرته مكونة من ثمانية أفراد أصغرهم يبلغ 10 أعوام من عمره، وبعضهم ملتحق بالمدارس والجامعات.