لأن عدسات الكاميرات تفضح جرائمهم, وأقلام الصحفيين تفند مزاعمهم أمام العالم، فكان الغضب والإجرام الإسرائيلي جما صوبهم (قناة الأقصى الفضائية).
أكثر من عشرة صواريخ ظنوا بها أنهم سيسكتون صوت الحق, وأن الحقيقة ستخبو تحت أنقاض مبنى قناة الأقصى الفضائية.. كانوا يظنون أن تدمير هذا المبنى سيجعل العدسات تغلق, والكلمات تتوقف!
لم يعلم جيش الاحتلال الذي هاتف المذيع في قناة الأقصى إسلام بدر، طالبا منه إخلاء المقر تمهيدا لقصفه، أن لا شيء يخرس كلمة الحقيقة في المدينة التي تنام وتصحو على طعناتهم, وعلى صوت أطفالهم فزعين من القصف وشكل الموت.
"معكم دقيقة واحدة لإخلاء المبنى"، كانت تلك العبارة التي قالها ضابط في جيش الاحتلال لمذيع آخر في فضائية الأقصى قُبيل تدميره بالكامل، كما يسرد مدير العلاقات العامة والمذيع راجي الهمص.
ويقول الهمص لصحيفة "فلسطين": "بالطبع فإن دقيقة واحدة غير كافية، حيث لم يتمكن الزملاء من إخراج حتى مقتنياتهم الشخصية من المبنى.. فسرعان ما باشر الاحتلال بالقصف".
كعادته، يحاول الاحتلال أن يظهر بمظهر مغلف بالإنسانية، من خلال اتصاله على الزملاء الإعلاميين قبيل قصف المكان، "لأنه يخشى من الشعب الفلسطيني ومقاومته"، يضيف الهمص.
ما أن انتهت الدقيقة، والكلام للهمص، حتى باغت الاحتلال المبنى بأكثر من 10 صواريخ من طائرات الاستطلاع وصاروخين من الـ (F16)، مما أدى إلى تدمير المبنى كلياً وسواه بالأرض.
ويتابع "كنا نعمل في الفضائية حتى اللحظة الأخيرة في المبنى، لأن هذه أمانة نقل رسالة الشعب الفلسطيني.. حتى بعد القصف بدقائق عدنا للبث من جديد".
ويؤكد أن الاحتلال يحرص في كل تصعيد ومواجهة مع الشعب الفلسطيني على إخراس صوت الحقيقة، بهدف الاستئثار بروايته.
ويختم حديثه برسالة "نحن مستمرون في تغطية جرائم الاحتلال ولن نتوقف، وأمانة الشهداء لن تضيع، وهذه أمانة كبيرة في نقل الرواية الفلسطينية الصادقة ولن نعجز عن ذلك".
تفاصيل أخرى
الخراب والدمار لم يقتصر على مقر الفضائية الذي تساوى مع الأرض فحسب، بل طال منازل السكان المجاورة لهم وألحق أضراراً جسيمة بها.
أحمد البلتاجي (17 عاما) أحد السكان القاطنين مقابل مقر الفضائية، يروي تفاصيل "الليلة المرعبة" كما وصفها، قائلا: "بعد صلاة العشاء وحينما توجهنا للنوم، إذ بمكبرات الصوت تنادي بإخلاء البيوت، لأن الاحتلال سيقصف مبنى الفضائية".
حالة من الفزع والخوف أصابت عائلته وباقي العائلات الأخرى، سيّما الأطفال منهم، "كنا في حيرة من أمرنا، هل سنغادر البيت أو نبقى فيه"، يحكي البلتاجي لمراسل "فلسطين".
يضيف البلتاجي، أن القرار النهائي هو الخروج من المنزل والذهاب لمنزل عمّه، الذي يبعُد قليلاً عن مقر الفضائية.. "كان حالنا يُبكى له".
بضع دقائق انتظرت عائلة البلتاجي، حتى بدأت طائرات الغدر الصهيونية بقصف متتالٍ لمقر الفضائية واستمر قرابة الساعة ونصف، كما يقول.
ويوضح أن القصف ألحق أضرارًا جزئية في منزل عائلة البلتاجي، وغالبية البيوت الأخرى المجاورة لمبنى مقر الفضائية.
ويتمم حديثه برسالة لكل العالم "نحن شعب يحب الحياة، ويجب أن ننال حقوقنا كباقي أطفال العالم".
ليست الأولى
مراسل فضائية الأقصى شادي شامية، كان حاضراً قبيل قصف المبنى، فيقول: "عندما اتصل جنود الاحتلال بأحد الزملاء، تعاملنا بجدية مع الأمر، وأخلينا المقر تماماً".
ويضيف شامية لصحيفة "فلسطين"، أن قصف مقر الفضائية لم يكن مستبعداً، وهي ليس المرة الأولى، "نحن نُستهدف في كل تصعيد على قطاع غزة"، مستدركاً "لكّن الاحتلال تعمّد هذه المرة الاستهداف مبكراً لإسكات الصوت الفلسطيني".
ويبعث برسالة من فوق أنقاض المبنى المُدمر "الرسالة مستمرة ولن تتوقف"، وخير دليل على ذلك عودة بث القناة بعد قصفها بدقائق معدودة.
ويُكمل بصوت خافت حزين وعيونه تنظر لركام المبنى "12 عاماً ونحن نعمل في هذا المكان تخلله ذكريات جميلة عشناها مع الزملاء، ولكّنه اليوم يُقصف بلحظات.. "هذا أمر صعب علينا".
ولا بد الإشارة إلى أن تدمير مبنى فضائية الاقصى ليس المرة الأولى، حيث دُمر قبل ذلك ثلاث مرات، خلال العدوانات الاسرائيلية السابقة على قطاع غزة".