ما زالت تداعيات عملية خانيونس وانعكاساتها تتوالى، ومن المبكر معرفة كل تفاصيلها، إلا أن ذلك لا يعني عدم محاولة قراءتها، وهو ما يستدعي تحليلا عميقا وهادئا لما جرى مساء الأحد من تنكر قوة خاصة للاحتلال بملابس نساء، ودخولها بعمق ثلاثة كيلومترات لتغتال قائدا قساميا، ويستشهد، ومن ثم يقر الاحتلال بمقتل ضابط وإصابة آخر بجروح خطرة، واستشهاد سبعة خلال قصف مكثف لطيران الاحتلال.
تعد العملية فاشلة بامتياز، فاستشهاد فلسطيني هو أمر عادي وأمنية يتمناها كل قسامي، ولا جديد في الأمر، والضربة التي تفشل بتحقيق أهدافها تزيد المقاومة قوة، لكن من ناحية الاحتلال انكشاف القوة الخاصة ومقتل ضابط وجرح آخر فهذا أمر خطير جدا وفشل ذريع، وسيؤثر سلبا على دعايتهم الانتخابية لاحقا في حال إجراء انتخابات.
ومن ناحية إسرائيلية أيضا، فإن كيان الاحتلال لا يحتمل خسائر بشرية في صفوفه، فكيف عندما تكون الخسارة في قوة من النخبة!؟ من خطط ونفذ عملية الاغتيال خسر وفشل، ومسألة دخول القوة بزي نساء يعني خوفا وجبنا مسبقا انعكس على القوة التي سرعان ما انكشفت، وفضح أمرها ودفعت ثمن ذلك أحد ضباطها.
فلسطينيا، صحيح أنه كان من المفترض كشف القوة وأسرها، ولكن نتيجة 100% صعبة جدا في ظل أن المنطقة التي جرت فيها عملية الاغتيال قريبة من السياج، ومكشوفة، عدا عن تدخل سلاح الطيران وإلا لكانت القوة بأكملها وقعت في الأسر.
لا يقاس نجاح وفشل العملية بعدد الشهداء مقارنة بسقوط ضابط في جيش الاحتلال، لأن هكذا عمليات مباغتة تقاس بمدى تحقيق الهدف منها.. وإلا ما الفائدة من استشهاد قائد قسامي بالنسبة لجيش الاحتلال؟ فهناك مئات القادة من القسام غيره، وهذا اغتيال لا يقدم ولا يؤخر، ولا يهز معنويات المقاومة، بل يرفع جاهزيتها وخبرتها.
في ظل قوة خاصة مجهزة بكل المعدات، وخلفها جيش، ومخابرات تزعم أنها الأقوى، كل ذلك تبخر وكشف ضعفه بمجرد كشف القوة وقتل ضابط منها، وسنرى تداعيات سلبية على الاحتلال وإيجابية للمقاومة، التي ستزيد من جاهزيتها وسريتها في ظل احتلال لا يتورع عن استخدام أي وسيلة للوصول لرجال المقاومة.
في المحصّلة لن تتوقف عمليات الاحتلال كما هي عمليات المقاومة، ويجب استخلاص العبر من كل عملية وحادثة، وأهم عبرة مما حصل أن الجاهزية لدى المقاومة لا يجب أن تتراخى للحظة واحدة، وأن المبادرة يجب أن تكون لها بعد هذه العملية، فالذي يخاف من العمليات هو الذي يجب أن يبقى في حالة خوف وفزع، والرد يجب أن يكون مدروسا وليس متعجلا، كون المعركة مع الاحتلال بالجولات وليست بالضربة القاضية في هذه المرحلة الصعبة.
ثبت من خلال العملية أن المقاومة لم تكن نائمة، وأنها كانت ذات جاهزية عالية برغم سقوط سبعة شهداء، منهم قائد قسامي، وثبت أن قوة الاحتلال ونخبته سهل جدًّا النيل منهم، ولن يكرر الاحتلال مثل هذا النوع من العمليات في المستقبل القريب، إلا أن ذلك لا يعني التراخي، بل الجاهزية وبقاء روح المبادرة، كي يكون الاحتلال في موقع دفاع وليس موقع هجوم.