بينما كانت تخوض المقاومة في قطاع غزة معركة بطولية بتصديها لعملية تسلل نفذتها قوة إسرائيلية خاصة شرق محافظة خانيونس جنوب القطاع، كانت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في رام الله قد أعادت مستوطنًا إسرائيليًّا تسلل للمدينة مساءً، وفي مشهدين متناقضين.
وأرجع مختصان حالة التناقض تلك إلى اختلاف العقيدة الأمنية في سلوك الطرفين، فالعقيدة الأمنية في غزة مبنية على القناعة بعدم أحقية (إسرائيل) بأي شبر من فلسطين، ويحاربها بالمقاومة، بينما بنيت عقيدة الضفة الأمنية على أساس الالتزام بأمن الاحتلال ومستوطنين بديمومة التنسيق الأمني حتى في أعقد الظروف.
وأوضح الخبير الأمني والعسكري اللواء يوسف الشرقاوي، أن التنسيق الأمني يفرض على السلطة الفلسطينية إعادة المستوطنين أو الجنود الذين يتسللون إلى مناطق الضفة الغربية المحتلة، رغم دعوة المجلس المركزي لمنظمة التحرير خلال اجتماعه نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لوقفه.
وقال في حديث لصحيفة "فلسطين": "السلطة لم ولن تنفذ قرار المركزي، لأن وجودها مرتبط بالتنسيق الأمني".
ووصف سلوك المقاومة في غزة بـ"المشرف جدا"، إذ إنها أفشلت عملية نوعية، كان من الممكن أن تكون "بروفا" لعمليات شبيه في الأيام القادمة، وفق تقديره.
ويعتقد الشرقاوي أن الاحتلال وصل لطرف خيط عن مكان جنوده الأسرى في غزة، فحاول تنفيذ عملية واسعة تعمل على صدم وترويع الخصم من أجل السيطرة على ميدان المعركة والوصول إلى هدفهم، بالإضافة إلى غطاء جوي من الطيران الحربي والمروحي الذي بدا مستعدًا.
واستدرك بالقول: "لكن اكتشاف المقاومة للفرقة المتسللة وتصديها لها، وقتل قائد العملية وإصابة الآخرين كان عملا رائعا"، مشيرًا إلى أن تبعات العملية كانت لتبدو أصعب مما انتهت به لولا تدخل سلاح الجو الذي ساعد في هروب عناصر الوحدة".
ويرى الشرقاوي أن ما تداولته وسائل الإعلام العبري "مجرد أكاذيب" للتضليل والتغطية على فشل العملية، مؤكدًا وجوب دراسة المقاومة لحيثياتها تفاديا لأحداث مشابهة مستقبلا.
و وصف الخبير الأمني محمد أبو هربيد أن التنسيق الأمني المعمول به وفقا لعقيدة أجهزة أمن السلطة في الضفة الغربية بأنه خيانة بالمفهوم الوطني، أما في قطاع غزة فالأمر مختلف تماما، حيث العقيدة الأمنية الراسخة بالمقاومة.
وقال لصحيفة "فلسطين": "العدو يسعى إلى تحقيق احتياجات أمنية وعسكرية من خلال الاعتقالات أو الاغتيالات أو المهمات الأمنية لجمع المعلومات وتركيب أجهزة تجسس وغيرها سواء في الضفة أو غزة".
وتابع: "لكنه يجد حرية كاملة في الضفة حصل عليها من التزام السلطة بالاتفاقيات الموقعة، إضافة إلى غياب قوة الردع التي تمثلها المقاومة في غزة محافظة على حسها الوطني بالتصدي لأي اعتداء إسرائيلي".
سلوك فاضح
ووصف أبو هربيد سلوك أمن السلطة بإعادة الجنود أو المستوطنين المتسللين إلى مناطق الضفة بـ"الفاضح"، مبينًا أنهم يتسللون لأجل تحقيق أهداف من شأنها أن تشكل خطرًا على أمن المواطنين الفلسطينيين.
وبيّن أن الجنود في الضفة يدخلون بعتاد عادي وسيارات غير مصفّحة نتيجة لدرجة التأمين الموجودة، ساخرًا من أن جنود الاحتلال أحيانًا لا يستطيعون القفز عن جدار كما أظهرت مقاطع فيديو عديدة نشرت سابقا "بينما يفرز الجيش أفضل قواته ومقاتليه حينما يفكر في التسلل إلى قطاع غزة".
وأشاد أبو هربيد بتصرف المقاومة السريع الذي يدلل على يقظة وجاهزية عالية، وقال: "إفشال المقاومة للعملية عمل ممتاز في ظل الحديث عن تهدئة".
وتمم حديثه بالتأكيد أن ما هو مسموح في الضفة، هو ممنوع في غزة، مشيرًا إلى أن المقاومة بإمكانياتها البسيطة أثبتت فشل أشد قوة عسكرية في الشرق الأوسط حاولت تنفيذ عملية أمنية ناعمة "وما نجحت (إسرائيل) بتحقيقه في دول العالم فشلت به في قطاع غزة".