انكسرت المؤامرة على غزة، وأيقن الحشد الحاقد على المقاومة أن رهانهم على ثورة الشعب الفلسطيني ضد نفسه قد فشل، وانقلب المشهد من حصار وعقوبات إلى ترقرق وانفراجات، لن يكون آخرها صرف جزء من الراتب لموظفي غزة، ووصول الكهرباء إلى بيوت أهل غزة على مدار ساعات طوال، وذلك بفضل المال القطري، والوقود القطري الذي يتدفق بغزارة وانتظام إلى محطة التوليد، وليس بفضل مراقبة الأمم المتحدة كما يدعي البعض الذي يبرئ المتهم الحقيقي.
لقد فرح الناس في غزة بهذا النصر المعنوي الكبير، وانعكس هذا الفرح على حياة الناس، وسلوكهم، وتجارتهم وتعاملهم، وآمالهم في غد أفضل، يحمل لهم بشائر كسر الحصار نهائياً، وتهشيم وجه العقوبات، ولا سيما أن المشهد السياسي الجديد يقوم على الاعتراف الدولي بالمقاومة الفلسطينية، والإقرار باستحالة انكسار البندقية التي وصل مداها إلى شوارع تل أبيب، لتكون النتيجة هي التسليم الإسرائيلي بحقيقة غزة العنيدة المقاومة.
وإن كنت شخصياً لا أتقاضى راتباً من حركة حماس، ولا وظيفة لي في غزة، إلا أنني فرحت كبقية المواطنين لصرف رواتب الموظفين في قطاع غزة، فرحت إحساساً مني بأوضاع الموظفين وأحوال أطفالهم أولاً، ثم فرحت لهزيمة المؤامرة أمام سلاح المقاومة ثانياً. لقد فرحت لانتصار أهل غزة على كل الأعداء، وفرحت لانكسار عنجهية الفرد الذي سيطر على هذا البلد، واصطاد حياتنا ويوميات أطفالنا بشباك الأنا المقززة.
لقد ذبحتنا لفظة أنا، عشنا سنوات طويلة لم نسمع فيها إلا لفظة أنا، أنا، أنا سيدكم، أنا قائدكم، أنا ممثلكم، أنا ربكم الأعلى الذي يصرف عنكم الشر، ويصرف لكم الراتب، ويحط عليكم المنح والمساعدات، أنا الذي يرفرف الطير باسمه، ويرسل لكم الغيث، ويجلب لكم الشمس، ويطوي بقراراته النجوم، أنا الذي يلملم الغيوم في صباحكم، ويمنحكم الرتب والمراتب والهدايا والاستثناءات والامتيازات في المساء، أنا الذي يفتح لكم أبواب السماء، وأحبس عنكم الرزق متى أشاء، وإن غضبت أحبس عنكم الكهرباء.
نحن الشعب العربي الفلسطيني، لقد كرهنا هذه الأنا اللعينة، وفرحنا لاحتراق الكذبة السمينة، التي غصت بالأقوال دون الأفعال. لقد كرهنا احتراف التفرد بالقرار السياسي الفلسطيني، ولم يعد مقبولاً احترام أي قائد لا يُنتخَب بالطرق الديمقراطية، ولا نقبل أن نسلم مصيرنا ومستقبل أجيالنا في يد أي فرد أو تنظيم أو حزب مهما كان، ليسطو على قرارنا، ولن نرضى لأحد أن يجز ما يشاء من عشب حياتنا، ويقدم ما يشاء من ثمار أشجارنا طعاماً لغزاة أرضنا.
انفراج حياة أهل غزة هو بداية مشوار التغيير، والتوافق الوطني على مواصلة المسير.