محافظًا على أرضه التي ورثها من أجداده منذ أكثر من 200 عام، يكافح الحاج عبد الرؤوف صلاح "غول الاستيطان" الإسرائيلي الذي يستشري في ربوع الضفة الغربية المحتلة، وأراضي عزبة أبو آدم الواقعة في المنطقة الشرقية من قرية "سُرطة" غربي سلفيت شمال الضفة.
وعزبة أبو آدم هي أصغر تجمع سكاني في فلسطين، وفق جهاز الإحصاء المركزي، حيث يقطنها 7 أفراد، هم الحاج عبد الرؤوف صلاح وزوجته وعدد من أبنائه، ليرسموا مشهداً من مشاهد الصمود الفلسطيني في وجه الغطرسة الإسرائيلية.
"عمرنا ما بنطلع من الأرض، شو ما كانت الحياة"، يقول عبد الرؤوف (67 عاماً) لصحيفة "فلسطين" أثناء عمله في ترميم الكهف "المغارة" التي ولد وترعرع بين جدرانها وأشجار الزيتون التي زرعت في محيطها.
ويروي صلاح لصحيفة "فلسطين" حجم المعاناة التي يعيشها بفعل استمرار الانتهاكات الإسرائيلية، والاعتداء المتكرر على أرضه وممتلكاته، عدا عن إطلاق النار المتكرر على أبنائه و"حماره" الذي يعتمد عليه في التنقل بين أراضي العزبة البالغة مساحتها 110 دونمات.
ويوضح بصوت يعتصره الألم، أن مصانع إسرائيلية ومستوطنات تحيط بالعزبة تهدد بقاءها، إذ تحاصرها من الجنوب مستوطنة "بروخين" الجاثمة على أراضي قرية بروقين، ومن الشرق مستوطنتا "بركان الصناعية"، و"بركان السكنية" التي تلتهم أجزاء من قرية سرطة، ومستوطنة "أرئيل" من الجهة الجنوبية الشرقية.
وما يزيد من فرص التهام الاستيطان للعزبة، شارع "عابر السامرة الذي التهم 50 دونما من أراضيها، ويعد أحد الشوارع الأهم، حيث يربط "تل أبيب" بغور الأردن.
المعاناة لا تنتهي
وعن سر بقائه وعائلته وحيدين في العزبة، أوضح صلاح أن منع الاحتلال الإسرائيلي أهالي "سُرطة" من إقامة أي مبنى أو مسكن في القرية، وعجز الأهالي عن أي فعل أمام نهب المستوطنين لأراضيهم وحرقهم أشجار الزيتون المعمرة، أرغم 250 نسمة على الرحيل عن القرية.
ويشير إلى إن قرار الاحتلال منع التعمير في القرية دفع السكان للانتقال إلى بلدات مجاورة ليتبقى وعائلته يقاومون وحدهم، قائلا: "عشنا في العزبة أبا عن جد منذ أكثر من 200 سنة، وبحكم منع البناء في القرية اضطر الراغبون بالتوسع والبناء للخروج من القرية".
ويُمنع الفلسطينيون من البناء في المناطق المصنفة "ج" حسب اتفاق أوسلو، الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية و(إسرائيل) في 1993، ويتوجب على الفلسطينيين القاطنين فيها الحصول على التراخيص اللازمة من الإدارة المدنية الإسرائيلية للبناء واستصلاح الأراضي لأي غرض كان.
وتخضع هذه المناطق لسيطرة إسرائيلية كاملة وتشكل 61% من المساحة الكلية للضفة الغربية، وتتغلغل بين أوصال المناطق الفلسطينية. ويهدف هذا التقسيم وفق مختصين لإعاقة قيام أي دولة فلسطينية في المستقبل، وإحكام السيطرة على الأراضي وتسهيل العمليات الاستيطانية.
ويوجد في العزبة مبنيان غير صالحين للسكن، تبلغ مساحة كل واحد منهما 35 مترًا مربعًا، وهما آيلان للسقوط، ويعمل أبو العبد على إصلاحهما ليعود عدد من أبنائه للعزبة للدفاع عنها من المستوطنين وجنود الاحتلال الإسرائيلي، فيما يسكن هو في الكهف الذي تبلغ مساحته 90 متراً، ويعمل على إعادة ترميمه بالحجارة المتوفرة في أراضي العزبة.
ومضى يقول": "أربعة من أبنائي تزوجوا وسكنوا في (سُرطة)، وأربعة آخرون في سن الزواج ولا يوجد لهم مأوى، بفعل قرار الاحتلال منع البناء (..)، لكننا مستمرون في المواجهة، لأنني إذا غادرت العزبة سيجتاحها المستوطنون، وهذا لن يحدث، سأضحي بنفسي للحفاظ عليها".
الوصول إلى العزبة
وحتى أعوام سابقة، كان ينبغي على من يريد الوصول إلى العزبة المرور في طريق وعرة لا تستطيع وسائل النقل سلوكها، حتى أنشأت سلطات الاحتلال المختصة طريقا توصل العزبة بقرية سرطة عام 2016، وأسست لبنية تحتية (كهرباء وماء) عام 2005.
ويصف الحاج صلاح الحياة في العزبة رغم صعوباتها بـ"المقبولة نوعاً ما"، داعيًا السلطة إلى تعزيز صموده بتوفير مبانٍ سكنية متنقلة، للحفاظ على وجود أبنائه الدائم برفقته للحفاظ على العزبة من الضياع.
ويحتفظ صاحب الإصرار والعزيمة الكبيرين، الذي عمل سابقًا حدادًا، وكذلك في صناعة أفران الطابون، بأوراق ملكية أرضه التي يشهرها في وجه ضباط الارتباط وجنود الاحتلال والمستوطنين الذين لا ينفكون عن الاعتداء المتكرر على أرضه وإحراق أشجارها وإطلاق الخنازير البرية لإتلاف المحاصيل.
وأشار إلى أن المستوطنين قدموا العديد من الإغراءات "واستعدوا لدفع أي مبلغ أطلبه مقابل بيع عدد من الدونمات أو استئجارها، وقد عرض عليّ أحد سماسرة المستوطنين استئجار خمس دونمات مقابل 1500 شيكل شهريا عن كل دونم".
وأوضح صلاح أنه رد عليه بالقول: "لو العالم كله يفرد تراب أرضي ذهب لن أقبل، ومش عاوز حد يبحث هذا الموضوع معي، وهو ومرفوض جملة وتفصيلا".
ويحافظ الحاج عبد الرؤوف على أرضه بمواصلة زراعتها وحرثها بأدوات بدائية، إثر رفض أصحاب المعدات الكبيرة كالـ "باقر" الوصول للعزبة بتلك الآليات خشية مصادرة سلطات الاحتلال لها.
وبصوت يمتلئ فخرًا قال الستيني صلاح: "راح أزرعها بعرقي مهما صار (...) عمري ما خدمت ونزلت عند اليهود للشغل، وراح أواجه الاحتلال رغم أنه جسمي ما عاد فيه طاقة للعمل الدائم"، مضيفاً: "نحن دعاة سلام لشعوب العالم، ونبحث عن تحقيق سلام عادل في الكون، ولكن لا نقبل أن تسلب أرضنا".