ثمة توافق بين الساسة الفلسطينيين والعرب على ضرورة التصدي لصفقة القرن باعتبارها كما يرون تهدف لتدمير وتصفية ما تبقى من قشور القضية الفلسطينية بعدما تم تصفية جذورها في أوسلو بفضل بعضنا، لكن المتأمل في هذا التوافق يجده شكليًا ولفظيًا ولم يخرج عن "الشعارات التي ما قتلت ذبابة" كما قال نزار قباني، ويحمل صفة هلامية غير مقرون بخطوات عملية حقيقية، فكل طرف يرى في خطواته وسياساته أنها الأقرب إلى شعاره الذي يرفعه " سنسقط صفقة القرن، وكأنه يقول للآخر " إن لم تكن معي فأنت مع صفقة القرن".
لكن لو افترضنا حسن النوايا بجميع الاطراف، فمن يا ترى نراه أقرب إلى شعار" فلتسقط صفقة القرن" قولًا وفعلًا؟
ثمة قانون يُسمى بقانون نيوتن يقول: "لكل فعل رد فعل، مساوٍ له في القوة، ومضاد له في الاتجاه"، معنى هذا القانون واضح ولا يحتاج لعبقرية في فهمه، لكن هل لو وضعنا هذا القانون على مائدة التشريح وأسقطناه على صفقة القرن، سنجد أن صفقة القرن هي "الفعل" لكن هل سنجد رد فعل مساويًا له في القوة، ومضادًا له في الاتجاه"؟
منطقيًا وبعيدًا عن العواطف لا يمكن القول بوجود رد فعل مساوٍ فلسطينيًا أو عربيًا خاصة على المستوى الرسمي للفعل "صفقة القرن" لا مساويًا في القوة، ولا مضاد له في الاتجاه، وهذا ما أكدته السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة "نيكي هالي" حين قالت: إن الاعتقاد بعد قرار الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة "لإسرائيل" كان "أن السماء ستطبق على الأرض لكن لم يحصل شيء"، أسوق تلك الاجابة ليس تقليلًا من حجم الغضب الشعبي الرائع، لكن رد الفعل العربي الرسمي كان باردًا جدًا.
وبخصوص من الأقرب إلى شعار" فلتسقط صفقة القرن" قولًا وفعلًا؟ فإن بإمكان أي عاقلٍ متجرد من الأهواء معرفة من المتساوق مع صفقة القرن ومن يقاومها؟ وهذا لا يحتاج إلى جهد كبير فالميدان سيرشده إلى مبتغاه.
بخصوص غزة فإنها قد خرجت جماهيرها مع قادتها يوم إعلان ترامب الذي تزامن مع ذكرى احتلال فلسطين، وفي أوج مسيرة العودة، وقد قدمت غزة يومها أكثر من خمسين شهيدا، وما زالت تمارس دورها النضالي بكل إصرار، وأما في الضفة الفلسطينية فقد منعت الأجهزة الأمنية الجماهير من الوصول إلى نقاط التماس مع الاحتلال خوفًا من وقوع مواجهات تصل إلى انتفاضة يصعب السيطرة عليها مما يؤثر على كينونة السلطة ووجودها.
وهنا أنا سأفترض حسن النية عند قيادة السلطة بأنها تجابه أو تريد مقاومة صفقة القرن، وأطرح اسئلة:
- هل استمرار التنسيق الأمني مع الجهة الوحيدة المستفيدة والتي صُنعت من أجلها صفقة القرن، يعتبر مقاومة لصفقة القرن؟
- هل استمرار الاجراءات الانتقامية على غزة هي أحد أساليب مقاومة صفقة القرن؟
- هل استمرار التفرد والهيمنة على مقدرات الشعب وقراراته يصب في نهر مقاومة الصفقة؟
إن كانت الإجابة "نعم" فبئست أساليب مقاومة صفقة القرن، وإن كانت "لا" فلماذا لا نوقف التنسيق الأمني، ونرفع الظلم عن غزة، ونشرك الجميع في اتخاذ القرار الجامع المانع، وحينها سيكون موقفنا أصلب ضد صفقة القرن.
وجب القول: إن الفعل المضاد "لفعل الصفقة" يجب أن يكون "صفعة" لمن اخترع هذه الصفقة، ويجب أن يشكل تغيرًا جوهريًا فلسطينيًا وعربيًا في طبيعة التعامل مع أمريكا والكيان الصهيوني، ثم إن مقاومة صفقة القرن لها أوجه كثيرة لمن أراد، تبدأ من توحيد الصف الفلسطيني على قاعدة الشراكة الحقيقية، وتقوية عصب المقاومة في كل فلسطين، والإيعاز للدبلوماسية الفلسطينية والعربية والصديقة بتكثيف علاقاتها مع الدول لممارسة الضغط بما يكفي، ثم عربيًا سحب سفراء العرب من أمريكا، وطرد سفراء أمريكا وسحب الاموال العربية منها وطرد شركات أمريكا التي تأكل خير العرب وتعطيهم فتاته، وإلى أن يحدث ذلك ستبقى صفقة القرن ماضية في طريقها وتسير وفق ما هو مرسوم لها خطوة خطوة، وما حديث نتنياهو عن علاقات جيدة مع دول عربية وزيارته لبعضها سرًا وعلانية إلا جزءًا من الصفقة.