اللهفة الإسرائيلية للتخلص من مسيرات العودة لا تقف عند حدود إرسال الوفود الأجنبية لاستجلاء موقف المقاومة من التهدئة، ولا تقف عند حدود الموافقة على دخول الوقود القطري، والتوبة عن إغلاق المعابر كعقاب أثبت فشله، بل تتجلى اللهفة الإسرائيلية للتخلص من مسيرات العودة من خلال العنف والإرهاب اللذين يمارسهما جيش الغزاة، ومن خلال الاستعراض العسكري بالدبابات والقبة الحديدية، ومن خلال الزيارات الميدانية للقيادة السياسية لمستوطني غلاف غزة، لطمأنتهم، وتأكيد تواصل جلسات المجلس الوزاري المصغر التي تجاوزت المألوف بشأن غزة.
مسيرات العودة التي يتجاهلها المجلس المركزي الفلسطيني، وتجاهلها من قبل المجلس الثوري لحركة فتح، تشكل حالة إرباك للجيش الصهيوني، وتشكل حالة قلق لحياة المستوطنين في غلاف غزة، وهي الأخطر على الوجود الصهيوني الحالم بعلاقة قوية مع الدول العربية، وذلك لأنها تخترق ثلاثة حصون إسرائيلية قامت عليها نظرية التفوق الإسرائيلي:
الأول: مسيرات العودة ضربت نهج أوسلو في مقتل، حيث فجرت مسيرات العودة طاقة الشعب الفلسطيني، وأثبتت فشل نظرية التفوق الإسرائيلي. لقد نجحت مسيرات العودة في نشر ثقافة المقاومة، وزرعت من خلال المواجهة الجرأة والشجاعة والتحدي في عقل جيل فلسطيني جديد استعاد شخصيته، وثقته بقدراته.
الثاني: إعجاب شباب الضفة الغربية ببطولات إخوانهم شباب غزة، وبالتالي فإن محاكاة البطولة جزء من الثقافة الفلسطينية، وإمكان انتقال مسيرات العودة من غزة إلى الضفة هو الخطر الذي يحرص الصهاينة على تفاديه، وهذا هو مقتل الاستيطان.
الثالث: بطولات شباب غزة ترسل إشارات رعب لجيل إسرائيلي يشعر بالرعب أمام بطولات شباب غزة الذين يقتحمون سياج الموت، ويصرون على الحياة. إن استمرار هذه الحالة بإبراز مفاتن القوة الفلسطينية سيحطم روح التوافق والثقة بالنفس التي عملت الدولة الإسرائيلية على غرسها في عقل اليهودي الجديد، وهذا ما لا تتمناه القيادة الإسرائيلية.
بقي أن نشير إلى أن مسيرات العودة تعطي ثمارها بشكل تراكمي، ومخطئ من يظن أن مسيرات العودة محصول قمح سيُحصَد لمرة واحدة. على العكس من ذلك، مسيرات العودة ستعطي ثمارها في كل المواسم، وبالأشكال كافة، والمطلوب من الشعب والقيادة المزيد من الصبر والثبات، ومواصلة المشوار مع مزيد من الإبداع، في تطوير أشكال المواجهة السلمية.