لا تزال صورة "حنظلة" مقيد اليدين تمثل تاريخًا يُدوّن على جدران القرى والمدن الفلسطينية، فصاحبها وثق بريشته معاناة شعبٍ بأكمله. لم يكن شخصًا عاديًا، فقلمه الذي أرعب كثيرين كان بمنزلة سلاح يحاربُ به كُل من تطاول على القضية الفلسطينية، ما جعل المكائد تُحاك من حوله ليتم اغتياله بدم بارد. إنه رسام الكاريكاتور المناضل الفلسطيني ناجي العلي.
تاريخ نضالي
ولد العلي في عام 1937، بقرية الشجرة الواقعة بين طبريا والناصرة، وهاجر مع أهله عام 1948 إلى جنوب لبنان وعاش في مخيم عين الحلوة بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982م، ثم هُجر من هناك في سنّ العاشرة، ومن يومها لم يعرف الاستقرار أبدًا، فبعد أن مكث في عين الحلوة، اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي وهو صبي لنشاطه، فقضى أغلب وقته داخل زنزانة يرسم على جدرانها.
اعتقل العلي أكثر من مرة في ثكنات الجيش اللبناني وكان هناك أيضًا يرسم على جدران السجن، ومن ثم سافر إلى طرابلس وحصل منها على شهادة ميكانيكا السيارات. تزوج بعدها من وداد صالح نصر من بلدة صفورية في فلسطين وأنجب منها أربعة أبناء هم: خالد وأسامة وليال وجودي.
بين أصدقاء العلي الذي غادروا الحياة جميعاً وعائلته التي ما زالت تعيش في لبنان, وجدت صحيفة "فلسطين" ابن شقيقته جوهر سعيد الذي كان لا يزال يحتفظ في ذاكرته ببعض المعلومات عنه، ليقول: "عندما هاجر ناجي العلي إلى لبنان قُطعت أخباره عنا، كانت خالتي زهرة العلي رحمها الله تتحدث عنه دائماً كونها الأخت الأكبر له واستطاعت تربيته تربية صالحة".
رسومات العلي
ويضيف: "خبر اغتيال خالي مثّل صدمة كبيرة لنا. علمنا حينها أن اغتياله كان بأمر من مكتب ياسر عرفات في تونس، وهذا شيء رسمي وموثق، وقد أرسل له بعض الأشخاص تحذيرات قبل عملية الاغتيال"، كما قال.
ويشير سعيد إلى أنه كان يتابع رسومات "العلي" بشغف في المجلات والصحف الفلسطينية. وعلى الرغم من ندرة نشر أعماله في ذلك الوقت، إلا أنها كانت سببًا في إحاكة المكائد ضده، بحسب ما يرى.
ويتابع: "أكثر ما أتذكره خالتي زهرة رحمها الله التي أتت إلى قرية الشجرة بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982 حيث كانت تتحدث عن نضالاته ورسوماته التي كانت تمثل التاريخ الفلسطيني له".
ويتذكر إحدى العبارات التي كانت ترددها خالته بعد اغتيال شقيقها بالقول: "حتى الآن أذكر غضب خالتي بعد عملية الاغتيال فكانت تقول أتمنى لو أعيش في مزبلة بعين الحلوة ولا أن تبني لي منظمة التحرير بيتًا في الشجرة".
تهديد سابق
ويشير سعيد إلى أنه على الرغم من نضال خاله في تلك الفترة إلا أن الاحتلال الإسرائيلي لم يتعرض له بالاغتيال، قائلاً: "كان يناضل بالريشة فكل رسوماته عن القضية الفلسطينية وحق العودة وكان يرسم للنضال المسلح ضد المأجورين العرب".
ولا يزال سعيد يحتفظ بالكثير من الصور والرسومات التي تمكن من الحصول عليها بعد حادثة اغتيال خاله.
ويقول: "رجل بسيط بمعنى الكلمة مع الناس الفقراء والبسطاء رغم أنه كان يعيش حياة ترف في لندن والكويت. كان يتمنى أن يدفن في فلسطين، ولكن للأسف لم يحصل على أمنيته".
ضد الظلم
وعن حياة ناجي العلي كأب وزوج يقول سعيد: "بعد اغتيال خالي جاءت زوجته إلى بلدة الشجرة. كانت تصفه بأنه أب مُقاوم عادل في تربية لأبنائه. لطالما كان يحارب كاتم الصوت، وكان يكتب ضد الاغتيالات والغدر ونال نصيبه منها".
كان ناجي العلي مولع بالرسم منذ طفولته رغم أنه لم يكن يعلم أي شيء من قواعدها في ذلك الوقت، ولجأ بعد ذلك لدراسة الفنون، وكان الرمز الذي يمثله دائماً "حنظلة"، رسم ثورة الحجارة ولكنه لم يأخذ حقه في الشهرة إلا بعد أن توفى.
ويتابع الحديث عن نضالات خاله: "استطاع أن يرسم 40 ألف رسمة كلها تتحدث عن القضية الفلسطينية. طول حياته يحارب ضد الظلم والتمييز. هدفه الدائم الدفاع عن الأرض والوطن وحق العودة وعدم التفريط بالقضية أو الخضوع للإملاءات الأمريكية".