فلسطين أون لاين

​لدادوة سطّر بدمه قصة الدفاع عن الأرض

...
غزة - هدى الدلو

لا شيء أغلى من الأرض، يفديها بروحه في سبيل الدفاع عنها ونيل حريته، أمام جبروت محتلٍ غاصب للأرض والعرض، وفي كل يوم جمعة منذ أحد عشر شهرًا يستكمل مسيرته الوطنية في مقاومة مستوطن محتل يحاول مرارًا وتكرارًا الاستيلاء على أرضه، ليسطر مع شعبه قصة كفاح مستمرة وتضحيات كبيرة في سبيل عدم التفريط بشبر واحد من أرضه، حتى ارتقى شهيدًا خلال المواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي أول من أمس.

الشهيد عثمان لدادوة (33 عامًا)، من منطقة المزرعة الغربية الواقعة شمال غرب مدينة رام الله، متزوج، ولديه أربعة أبناء، وزوجته حامل بانتظار مولودهما الخامس.

كان يقضي عثمان وأخوه وسيم أغلب وقتهما في خربة "نعلان" مرابطين فيها، خوفًا من استيلاء المستوطنين عليها.

يسرد أخوه وسيم ما حدث أول من أمس من أحداث ومواجهات بين الشبان الفلسطينيين وجنود الاحتلال والتي انتهت باستشهاد أخيه، وسقوط 12 إصابة، تلك الخربة التي تقع على رأس الجبل، حولتها عائلته لمتنفس لأهالي المنطقة بزراعتها، ووضع مقاعد، وبعض الألعاب الخاصة بالأطفال، وتعود ملكيتها لعائلته وفق أوراق ثبوتية صدرت عن الارتباط الفلسطيني والإسرائيلي، إلا أن المستوطنين يصرون على تنغيص حياة الفلسطينيين بشتى الطرق والوسائل.

وقال: "في كل يوم جمعة منذ أحد عشر شهرًا، يأتي المستوطنون إلى الخربة بحجة الصلاة فيها، فنطردهم ونمنعهم من دخولها، وفي بعض الأحيان تحدث مواجهات معهم أو مع جنود الاحتلال الذين يأتون برفقتهم، ولكن في الجمعة الأخيرة جاء قرابة 20 مستوطنًا بحراسة 100 جندي صهيوني مدججين بالسلاح والعتاد".

وتابع لدادوة حديثه: "طوق الجنود المنطقة، وحاول المستوطنون اقتحام المكان، ولكن الشبان ومن بينهم عثمان منعوا المستوطنين من الدخول، وحدثت بينهم مواجهات كلامية ومطالبة بالخروج من المنطقة، ومن ثم ألقوا الحجارة عليهم".

وبدأ جنود الاحتلال بإلقاء قنابل الغاز وإطلاق الرصاص المطاط ثم الرصاص الحي على الشبان المدافعين عن أرضهم وعرضهم حتى وقع هذا العدد من الإصابات".

ووصف أن الجمعة الأخيرة كانت حامية الوطيس مقارنة بالجمع الماضية، فخلال 11 شهرًا أصيب 20 فقط، وفي أول من أمس وحده استشهد أخوه، وأصيب 12 آخرون، حيث اقتحمت رصاصة جسده فأصابت الرئة والقلب وأحدثت نزيفًا داخليًا، حاول أخوهما الذي يعمل مسعفًا إسعافه، ولكنه لم يستطِع فعل شيء، واستشهد في أثناء نقله إلى المستشفى.

وسرد لدادوة أن محاولتهم لمنع دخول المستوطنين المكان وأداء صلواتهم فيها، كان من المتوقع أن يرتقي فيها شهداء وجرحى، كما وصف تصرفات الاحتلال وإجراءاته بالمتغطرسة، مشيرًا إلى جبروت المحتل وعنجهيته حيث كبل أيدي أربعة مسعفين، عندما سقط حولهم الجرحى.

واستكمل: "كان عثمان دائمًا ما يتحدث عن أن الأرض لا تترك وحدها، وأنها بحاجة لمن يدافع عنها، ولتضحيات من أبناء الشعب، فلو تمكن الاحتلال من السيطرة على الخربة فبذلك يكون قد تمكن من الاستيلاء على خمسة آلاف دونم تقع حول الجبل"، مضيفًا: "تروح أرواحنا فداء الأرض، فالشهيد يأتي غيره، فهذا أرض ولادة، أما الوطن لو ضاع فمصيرنا سيكون الضياع والتشرد".

وذكر أن عثمان سجن مرتين بمجموع وصل إلى ما يقارب ثلاثة أعوام في سجون الاحتلال الإسرائيلي بتهمة حيازته السلاح والمتفجرات، وكان آخرها في عام 2008، ولفت وسيم إلى أنه كانت تربطه مع عثمان علاقة صداقة تجاور علاقة الأخوة، كما أنه يوصف بأنه الأكثر رزانة بين إخوته.

بعدما زف خبر استشهاده لم تستطِع الأم المكلوم تقبّله، لتنقل للمستشفى بسبب حالة الصدمة التي أصابتها، ووالده الذي أشفق عليه خوفًا من حدوث أي مكروه بعد إجرائه عملية القلب المفتوح، أما زوجته غيَّبها الخبر عن الدنيا، وحتى اللحظة لم تستطِع استيعاب الخبر، واستشهد عثمان ولكن بعد شهور قليلة سيولد عثمان من جديد، ليكمل مسيرة والده في الدفاع عن أرضه وعرضه.