فلسطين أون لاين

​عقل ما بين السلك الزائل وابتسامته تحققت الأمنيات

...
غزة - نسمة حمتو

أم مجاهد عقل، أمٌّ فلسطينية تعالت على جراحها كثيرًا، وحرصت على توزيع الحلوى مرفقة بصورة الشهيد المبتسم، عوضًا عن التمر والقهوة في عرس شهادة ابنها البكر مجاهد، الذي ارتقى شهيدًا أول من أمس الجمعة في إثر مشاركته في الجمعة الحادية والثلاثين بعنوان (غزة صامدة لن تركع)، ضمن فعاليات مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار.

مجاهد ذلك الشاب الهادئ، وطيب القلب، الذي لا يتوانى عن خدمة أحد، كان قلبه دائمًا معلقًا بالجهاد، كيف لا واسمه يحمل من هذه الصفة نصيبًا، كأنه ينتمي للشهادة منذ زمن، ففي كل مشاركاته في مسيرات العودة كان يتمنى من الله أن يُغادر هذه الحياة شهيدًا نقيّ القلب، ونال ما تمناه..

أمنيات الشهادة

والد الشهيد مجاهد عقل قال لـ"فلسطين"، عن أمنيات ابنه بالشهادة: "كان مجاهد يشارك دائمًا في مسيرات العودة، حتى أنه بعد أن بدأت وحدة الإرباك الليلي بالعمل، أصبح يداوم على المشاركة فيها، وفي كل الفعاليات المتعلقة بالمقاومة والجهاد نجده في بداية المشاركين".

وأضاف عقل وهو ما يزال يستذكر اللحظات الأخيرة التي جمعته بفلذة كبده: "كان مجاهد متعلقًا بالشهادة كثيرًا، ويستمع لأناشيد الشهادة باستمرار في البيت".

وتابع قوله: "قلب مجاهد كان معلقًا دائمًا بالمساجد، ولا يتأخر خاصة عن صلاة الفجر"، مشيرًا إلى أنه ابنه كان قليل الكلام إلا أنه كان كثير الأفعال.

وأكمل: "كنت أرى فيه روح الحياة المشرقة، ولم أمنعه يومًا من المشاركة في مسيرات العودة، إلا أنني كنت أقول له: روحك غالية جدًّا فلا تجعلني أفقدها، كنت أحذره من الاقتراب من السلك الزائل".

اللقاء الأخير

وأردف بقوله: "رغم الوصايا التي كنت أقدمها له في كل مرة بعدم الاقتراب من السلك، يقف في كل جمعة على البوابات بالقرب من جنود الاحتلال الإسرائيلي، لعل حبه للشهادة هو ما دفعه إلى ذلك".

وجع القلب ذاته كان يتقاسمه حمادة عقل صديق الشهيد مجاهد، ليقول عن آخر لحظات جمعته بصديقه: "هذه الجمعة كانت مختلفة نوعًا ما، كنت مع مجاهد أرافقه في مسيرات العودة، وعلى الرغم من أنني حاولت منعه من الاقتراب أكثر كي لا يتعرض لأذى؛ وجدته اختفى مرة واحدة من المكان".

وأوضح أنه في المرة الأولى اقترب من السلك الزائل فأصيب بالغاز المسيل للدموع وعاد إلى نهاية المسيرات كي يرتاح قليلًا.

العناية المشددة

وأضاف وهو ما زال تحت تأثير صدمة فراق صديقه المقرب: "في المرة الثانية كان الوضع أكثر صعوبة، كان هناك إطلاق كثيف للنيران، واختفى مجاهد مرة أخرى؛ ليقترب من السلك، وتفاجأت بخبر إصابته من أصدقائي".

وتابع حديثه: "من فوري اقتربت منه وصعدت معه في سيارة الإسعاف، وذهبنا إلى مستشفى شهداء الأقصى، ثم حوله المستشفى إلى مجمع الشفاء الطبي في غزة، وطيلة هذه الفترة وأنا أدعو الله بأنه يعيده سالمًا لنا".

الأطباء أخبروا حمادة أن صديقه مجاهد استقرت حالته بعد نقله لغرفة العناية المشددة، إلا أنه كان يشعر بأن شيئًا ما سيحدث له وأنه سيحقق أمنيته في الشهادة، وهو ما حدث مع بدايات يوم أمس السبت.

وقال: "كنت أشعر بداخلي أن مجاهد سيفارقنا، رغم أن الأطباء قالوا إن حالته استقرت، في هذه اللحظات عدت إلى المنزل لأرتاح قليلًا ثم أعود مرة ثانية للمستشفى إلا أنني تفاجأت باتصال هاتفي الساعة الثانية ليلًا يخبرني بأن مجاهد استشهد".

الأمنية الأخيرة

وأضاف: "رغم إحساس الفقد الذي شعرته وحزني الشديد على فراقه، إلا أنني حمدت الله على أنه استطاع تحقيق أمنيته في الشهادة، هكذا كان يتمنى ولم يستطِع أحد منعه".

وقال: "ما زلت أذكر التفاصيل الصغيرة التي جمعتنا قبل يوم واحد من استشهاده، كنا نجلس ونلعب مع الأصدقاء، وكان الخاسر هو من سيعد الشعرية لنا، فكان مجاهد الخاسر، ولكنه رفض إعدادها، وبعد وقت قصير اشترى لنا العصير لإرضائنا".

ومضى بالقول: "يوم الجمعة كان مجاهد سعيدًا جدًّا، ويضحك كثيرًا على غير العادة، عندما استشهد تأكدت بأن هذا الوداع الأخير بيننا، كان يشعر بالسعادة لأنه سيحقق أمنيته بالشهادة".

وأصدرت وزارة الصحة بيانًا أول من أمس الجمعة تحدثت فيه عن طبيعة الإصابات التي تعاملت معها الطواقم الطبية للشهداء والجرحى خلال الجمعة الحادية والثلاثين بعنوان (غزة صامدة لن تركع) ضمن فعاليات مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار.

وبينت فيه أن قوات الاحتلال الإسرائيلي استخدمت القوة القاتلة متعمدة لارتكاب مجزرة مع اللحظات الأولى لتجمع المواطنين السلميين في مخيمات العودة شرق قطاع غزة، متابعة: "مما أدى إلى استشهاد خمسة مواطنين، أصيبوا بالرصاص الحي المباشر في الرأس والصدر، إضافة إلى إصابة 232 مواطنًا بجراح بين معقدة وخطيرة بأنواع مختلفة من الرصاص الحي، ومن بين الإصابات 35 طفلًا و4 مسعفين".