غرفة العمليات المشتركة تمثل حالة راقية من العمل المقاوم الفلسطيني، فطالما كان للقذائف الفلسطينية المقاومة وجهة واحدة، وطالما كانت قذائف العدو لا تفرق بين فلسطيني وآخر، فالتنسيق بين المقاومين في الهجوم والصد واجب وطني وأخلاقي.
ولا خلاف في الرأي أن المقاومة لا تقوم على رد فعل، ولا هي استجابة لموقف انفعالي، وإنما هي خطوات مدروسة بعناية فائقة، لها ما بعدها من انعكاسات ومتغيرات على أرض الواقع، ومع ذلك، فإن صواريخ المقاومة التي قلقلت أمن المستوطنات اليهودية عشية عودة نتنياهو من زيارة خاطفة لسلطنة عمان، تلك الصواريخ قد فهمها الإسرائيليون على طريقتهم الخاصة، وحملوها رسائل سياسية أبعد مدى من غلاف غزة، وأبعد مسافة من شلال الدم الذي نزف على السياج الحدودي في غزة، وعلى أرض الضفة الغربية بفعل العدوان الإسرائيلي.
لقد تجاهل الصهاينة معادلة الدم بالدم والقصف بالقصف التي أعلنت عنها فصائل المقاومة مجتمعة، وتجاهلوا جرائمهم بحق المسيرات السلمية، وتعمدوا الربط بين صواريخ المقاومة التي اقتصر مداها العسكري على غلاف غزة، والتطبيع، حتى أوصلوها بمداها السياسي إلى سلطنة عمان التي استقبلت الإرهابي الصهيوني نتنياهو، وربطوا بينها وبين استقبال أبو ظبي الوزيرة الإرهابية ميري ريغف، واستقبال دولة قطر فريقا رياضيا على أراضيها.
وبشكل عام لا ينكر عاقل أن صواريخ المقاومة التي تدك حصون الأمن الإسرائيلي، تدك في الوقت نفسه حصون التطبيع العربي مع الصهاينة، لأن الأمن والتطبيع هما عصب سياسة نتنياهو التي يتفاخر بها على بقية الأحزاب الإسرائيلية، والتي تقوم على نظرية الأمن للمجتمع الإسرائيلي بنسبة 100%، والتحالف مع الدول العربية مدخلاً لحل القضية الفلسطينية.
من هنا تأتي مسيرات العودة وصواريخ المقاومة لتقول للجميع: إن العلاقة بين الفلسطينيين والصهاينة هي علاقة عداء، وليست علاقة جوار، هي علاقة حرب وليست علاقة سلام، هي مقاومة وليست مفاوضات، هي حرب على الصهاينة وليست تطبيعاً مع الصهاينة، والعلاقة بين غاصب فلسطين والشعب الفلسطيني لن تكون علاقة تعاون وتنسيق وتفاهم وتناغم ورقص على أنشودة شالوم، وشالوم، وشالوم علينا وليس عليهم!!.
سيقودنا الحديث عن صواريخ المقاومة والتطبيع إلى التدقيق في الجهة التي شجعت نتنياهو على زيارة سلطنة عمان، والتي فتحت الأبواب لاستقبال الوزيرة الإرهابية في أبو ظبي، ولماذا تشجع قابوس سلطان عمان، واستقبل نتنياهو ورئيس جهاز الموساد يوسي كوهي بشكل رسمي وعلني دون ذرة وجل؟ ومن الذي شجع سلطنة عمان كي تعلن بلسان وزير خارجيتها أن لا شيء يمنعنا من استقبال نتنياهو؟
إنه محمود عباس الذي استقبل قبل أيام رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية نداف أرغومان في بيته، الذي ناشد أكثر من رئيس دولة لعقد لقاء بينه وبين نتنياهو، فكيف يحارب التطبيع مع الإسرائيليين من يقود عملية التطبيع ويمارسها بالفعل؟
وكيف ينادى بمعادة (إسرائيل)، وعدم التطبيع معها من يقيم جسور المحبة والصداقة والتعاون مع الإسرائيليين في كل المجالات؟
لم يبق للفلسطينيين إلا مسيرات العودة وصواريخ المقاومة لتوثق بالدم والجوع لغة فلسطينية جديدة، لغة تقول لكل العالم: لا، لسنا على قلب متعاون واحد مع العدو الإسرائيلي، ولسنا جميعاً مع التطبيع والتعاون الأمني، ولسنا صفاً واحداً للتفريط بحقوقنا التاريخية في فلسطين، وستظل العلاقة بيننا وبين هذا المحتل قائمة على الردع والصفع بالصفع.