أحد بنود اتفاقية وادي عربة الموقعة بين الأردن و(إسرائيل) يقول: من حق كل طرف أن يتقدم بطلب لإلغاء بند من بنود الاتفاقية قبل عام من موعد انتهاء الاتفاقية، ولكن هنالك شرط يقول: على أن يبدأ النقاش بين الطرفين حول هذا البند المنوي إلغاؤه، وهذا يعني أن للإسرائيليين فهمًا لتفسير البند يختلف عن فهم الأردن الذي طالب بإلغاء البند المتعلق بتأجير أرض أردنية، بينما يفهم الإسرائيليون البند ببدء النقاش والحوار والمفاوضات التي قد تستمر سنوات طويلة دون الاتفاق على التخلي عن الأرض التي صار اسمها بالعبري "نهريم" بدلاً من اسمها العربي "الباقورة" ولهذا التعديل بالاسم دلالات وأطماع وعدوان لا يجهله عاقل.
منطقة الباقورة التي يستأجرها الصهاينة من الأردن لمدة 25 عاماً تقع على نهر اليرموك شمال الأردن، وتبلغ مساحتها 1390 دونمًا، وقد احتلت عام 1950، تدعي (إسرائيل) أن 830 دونمًا من هذه الأرض هي ملك خاص لليهود، لذلك كان التوافق على تأجيرها انعكاسًا للأطماع الإسرائيلية، وعدم الاستعداد للتخلي بطيب خاطر عن أي بقعة أرض شرق النهر أو غرب النهر يحتلها الصهاينة، ويقيمون عليها مئات المستوطنين.
المنطقة الثانية يسميها اليهود "تسوفر" ويسميها العرب "الغمر" ولفارق الأسماء دلالات التوسع والأطماع، فقد احتلت (إسرائيل) سنة 1967 مساحات واسعة من الأراضي الأردنية في وادي عربة جنوب البحر الميت، وقامت بتغيير خط الهدنة في وادي عربة، وزحزحت هذا الخط شرقًا لمساحات مختلفة، وصلت في بعض المناطق 8 كلم، بطول 128 كلم، أما المساحات التي استولت عليها (إسرائيل) فقد بلغت 387.4 كيلومتر مربع، وهي أكثر من مساحة قطاع غزة.
المستوطنات اليهودية شرق الأردن لا ينطبق عليها القانون الأردني، ولا يسمح للأردن أن يلاحق المجرمين اليهود فوق أرضها، ولا يحق للأردن أن يتدخل بمن يحمل السلاح، بحجة أنه شرعي، ويتبع للشرطة الإسرائيلية، لا يقدر الأردن أن يمنع حفر بئر، بمعنى آخر، هذه المناطق ملك إسرائيلي بكل معاني الكلمة، وهي جزء من الدولة الصهيونية، رغم اتفاقية التأجير.
في الأيام الأخيرة ارتفع صوت الشارع الأردني المطالب بإلغاء اتفاقية وادي عربة، هذا الصوت الأردني الشجاع هو الذي شجع الملك الأردني على الاستجابة، فقرر اتباع الإجراء القانوني لإلغاء اتفاقية التأجير، وهو يعرف أنه سيتعرض لضغوط كثيرة، منها عدم تزويد الأردن بالمياه، والضغط الاقتصادي، والاستخباري، وفي المقابل ستقدم (إسرائيل) للأردن إغراءات كثيرة أقلها رفع قيمة الإيجار، وزيادة المساعدات، وتقديم الخدمات في جميع المجالات، والتي تعكس عدم نية (إسرائيل) في التخلي عن أطماعها مهما كلف الأمر من ثمن، ودون الأخذ بعين الاعتبار مزاج الشعب العربي الأردني الذي لم يعد يطالب بإلغاء بند من اتفاقية وادي عربة، بل يطالب بإلغاء الاتفاقية من أصلها، فهي تتعارض مع الروح الوطنية للشعب الأردني، الذي أدرك أن الأطماع الإسرائيلية لن تقف عند حدود فلسطين، بل تتعداها إلى الأردن وكل بلاد العربوالمسلمين.
الصحوة الأردنية لم تأت فجأة، ولا هي ردة فعل آنية على حدث معين، وإنما هي حراك شعبي وطني ينسجم مع المتغيرات الكثيرة في المنطقة، ويحاكي واقع الشعب الأردني الرافض لاحتلال الضفة الغربية وغزة، والحزين لتهويد القدس، والمفجوع للتوسع الاستيطاني، وهذا شعور وطني أردني ينسجم مع المتغيرات الإقليمية في المنطقة، ويحاكي بطولات غزة الرافضة للخنوع.
الحراك الأردني المطالب بإلغاء اتفاقية وادي عربة أربك الأطماع الإسرائيلية، وهذا يؤكد أن حراك الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية إذا طالب بإلغاء اتفاقية أوسلو سيفسد المكاسب الإسرائيلية، وإذا كان للشعب الأردني برلمان منتخب، يمثل رأي الشعب، فإن للشعب الفلسطيني مجلسًا تشريعيًا منتخبًا، وينطق باسم الشعب الفلسطيني، ومن حقه أن يلتئم، وأن يتخذ مواقف مشرفة، ورافضة لاتفاقية أوسلو، مواقف لا تقل وطنية وأصالة عن مواقف البرلمان الأردني.
المستقبل للشعوب في المنطقة؛ ولا سيما أن العدو واضح المعالم، وأن المصير للمنطقة واحد، والمستقبل واحد، ولم يبق إلا أن يلتحق الشعب الفلسطيني بالشعب الأردني في رفضه للاتفاقيات التي وقعت تحت حراب الصهاينة، ووفق قانون التفوق العسكري الصهيوني.