فلسطين أون لاين

​الأطرش استشهد ساعيًّا وراء فك قيد ابنه

...
الشهيد معمر الأطرش
غزة / الخليل - أسماء صرصور

ضابط مخابرات الاحتلال الإسرائيلي: "قُلي شو صاير بين ابنك معمّر ومرته".

  • الحاج عريف الأطرش: "شو بعرفني، انت متزوج؟ والك أب، ابوك بعرف كل شي عنك؟؟".
  • الضابط: "لا ما بيعرف عني كلشي.. خد هويتك، وروّح".

هذا الحوار دار بين الحاج عريف الأطرش (71 عامًا) وضابط مخابرات الاحتلال الإسرائيلي، عقب استشهاد ابنه معمّر عريف رفاعي الأطرش (42 عامًا) صباح أول أمس الاثنين، بعد إطلاق قوات الاحتلال النار عليه بالقرب من المحكمة الشرعية في مدينة الخليل المحتلة.

"فلسطين" تواصلت عبر الهاتف مع والد الشهيد(أبو رفاعي)، وشقيقه ماجد الأطرش (55 عامًا) عم الشهيد ومختار عائلة الأطرش، التي تسكن مدينة الخليل جنوب حارة أبو سنينة بالقرب من الحرم الإبراهيمي، ونقلت حديثهما عن معمّر.

معمّر هو الابن الثاني لوالده، وسنده، وعزّه، رحل شهيدًا دون أن يودعه حتى اللحظة، وحتى لم يتسن له أن يلقي نظرة التعرف على جثمانه المحتجز لدى الاحتلال، فهو فقط تعرف إليه من الصور، والفيديوهات المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واستدعاء مخابرات الاحتلال له ليحققوا معه حول سبب محاولة معمّر تنفيذ عملية طعن حسب ادعائهم.

"هل سيدركني الموت قبل أن احتضن جثمان معمر، وأكرمه بالدفن، يا رب عجّل بالإفراج عنه قبل أن تقبض روحي، يا رب"، غرغر صوته بالبكاء، وهو يرجو الله مخلصًا أن تنجح المحاولات بوقف احتجاز جثمان ابنه معمّر، وزادت حدة بكاء الشيخ المسن.

معمّر متزوج منذ ما يقارب ثمانية عشر عامًا، وأب لسبعة أبناء (أربعة ذكور وثلاث إناث)، منهم عز الدين ابنه البكر الذي اعتقلته قوات الاحتلال في الجمعة السادس من تموز/ يوليو من العام الجاري، إثر مواجهات بالقرب من باب الزاوية في مدينة الخليل المحتلة.

واحترف معمّر –وفق قول والده، وعمه- المهنة الأبرز التي تشتهر بها مدينة الخليل، وهي صناعة الأحذية، وعن ذلك يقول والده: "إبان الانتفاضة الأولى في 1987م هددتني قوات الاحتلال باعتقال ابني معمر بسبب مشاركته في المواجهات ضدهم".

فما كان من أبو رفاعي إلا أن يوقف ابنه عن الدراسة رغم تميزه فيها، وحصوله على درجات ممتازة، حرصًا عليه وخوفًا من بطش الاحتلال به، وألحقه مع شقيقه الأكبر رفاعي في مهنة صناعة الأحذية، عوضًا عن إكمال دراسته في المرحلة الإعدادية.

وعلى ما يبدو أن عز الدين ورث ذات الدماء الحارة عن والده، فكان دائم المشاركة في كل مواجهة مع قوات الاحتلال، ووسيلة مقاومته الوحيدة هي "التطبيش" بالحجارة، ومعمّر كان دائم الجدال معه، ويرجوه ألا يذهب، دون أي فائدة تذكر، حتى اعتقلته قوات الاحتلال، وأجلت محاكمته عدة مرات، ويشار إلى أن لديه موعد محاكمة جديد يوم الاثنين المقبل التاسع والعشرين من الشهر الجاري في سجن عوفر.

ويشبه عمه عمل أهل الخليل في صناعة الأحذية بإيطاليا، فالخليل هي إيطاليا فلسطين في صنع الأحذية، غير أن مهنة صناعة الأحذية تضررت كثيرًا في الآونة الأخيرة إثر استيراد الأحذية الصينية ورخص أسعارها مقارنة بأسعار الأحذية الخليلية، وانسحب تأثير ذلك على معمّر ووضعه المادي بعد أن كان نوعًا ما يعيش أمانًا ماديًّا.

ويزيد عمه في وصف ابن أخيه الهادئ، غير المختلط كثيرًا بالعائلة الممتدة، فهو كان يحصر كل اهتماماته بجلب القوت اليومي له ولعائلته، ولكنه لم يكن يقصّر في مد يد المساعدة لكل من يحتاجها.

ويقول: "بعد اعتقال ابنه عز الدين بدأ ينتظم في جلسات العائلة في جلسات المخترة، وكل همّه إيجاد وسيلة يحرر بها ابنه من براثن اعتقال الاحتلال الإسرائيلي"، مشيرًا إلى أنه كان طوال الوقت يحدث نفسه عن أحوال ابنه، كيف يعيش، ماذا يأكل، ما هي أوضاعه.

وعن اللحظات الأخيرة في حياة معمّر قبل إطلاق قوات الاحتلال النار عليه، يقول عمه: "نزل معمّر من البيت ووجد بيت عزاء، فشارك فيه، ثم ذهب إلى أخيه الأكبر رفاعي الذي يسكن في البلدة القديمة ليتباحث معه حول توكيل محامٍ جديد لابنه عز الدين قبيل موعد محاكمته الاثنين المقبل".

ويلفت مختار العائلة إلى أن المنطقة التي استشهد فيها معمّر مليئة بالبوابات الإلكترونية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسمح بمرور حتى ملقط أظافر دون أن تطلق إنذارًا بوجود جسم معدني، وكل من يمر منها يتعرض لتفتيش دقيق، وإن كان رجلا كبيرًا في السن، "فكيف هرّب ابن أخي معمّر سكينًا ونفذ ما يدعي الاحتلال أنه عملية طعن؟"، وفق قوله.

وهو ذات الحديث الذي أكده والده أبو رفاعي، بقوله: "ذات مرة شاهدت بأمّ عيني حادثة إطلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي النار على شاب من أبناء المدينة حتى استشهاده، ثم جاء أحد الجنود ووضع سكينًا بجانب جثمانه".

لذا لا يستبعد أبو رفاعي أن يكون الاحتلال يدعي تنفيذ ابنه معمّر عملية طعن أول أمس الاثنين بالقرب من المحكمة الشرعية في مدينة الخليل، خاصةً مع الإجراءات المشددة التي يشهدها الجميع والتي لا تسمح بدخول حتى ذبابة دون تفتيشها تفتيشًا دقيقًا.