قائمة الموقع

​الطفل "ماهر".. يصارع قسوة الحياة بـ"أكياس الترمس"

2018-10-24T08:18:29+03:00
الطفل ماهر زقوت

بينما كان ينهمك بحل مسألة في كتابه على قارعة إحدى الطرق في مدينة غزة، غير مبالٍ لأصوات السيارات المزعجة، وأقدام عشرات المارة من أمامه، إذ بأحدهم يسأله: "بكم هذا الباكيت؟"، يرفع رأسه فيجيب "بشيقل واحد".. ثم يُكمل ذاك الرجل طريقه دون شراء شيء.

يصمت الطفل ماهر زقوت ابن الثمانية أعوام قليلاً، وكأنما يجر معه خيبة أمل، ينظر إلى أكياس الترمس السبعة بين يديه، مفكّرًا في سبيل بيعها، لكنه سرعان ما أعاد طأطأة رأسه محنيًا ظهره على كتاب الرياضيات من جديد.. يجتهد في استرجاع ذاكرته لدقائق عدّة حتى بدأ بتدوين الإجابة.

وبين هذا وذاك، يمضي "زقوت" أيامه في محاولة للتغلب على حياة جارت على أسرته بعدما تراكمت الأعباء المالية على والده نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية، فبات يمضي أيام الأسبوع في السجن، سوى يومي الخميس والجمعة.

أما عن الأربعة أيام الأخرى في الأسبوع، فيبدأ "ماهر" كل واحد منها عند السادسة صباحًا بعد تسلّل خيوط أشعة الشمس الذهبية إلى غرفته، توقظه من نومه ليصحو مصطحبًا معه التفكير بمشقة المزج بين الحياة المدرسية وإعالة أسرته المكونة من أربعة أفراد هو خامسهم.

عند السادسة والنصف يرتدي ماهر الزي المدرسي "البالي"، واضعًا حقيبته على كتفيه، منطلقًا إلى مدرسته التي تبعُد مسافة ليست بالقريبة عن مكان سكناه في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، مشياً على الأقدام، برفقه شقيقيه.

زهاء أربع ساعات ونصف الساعة يقضيها ماهر بين زملاء الدراسة، لكن ذهنه يبقى بين الفينة والأخرى شاردًا يقلّب أفكاره في "الهمّ" الذي خلّفه والده أثناء وجوده في السجن، محمّلًا إياه مسؤولية السعي على قوت إخوته.

وما أن ينهي الدوام المدرسي يعود إلى المنزل سيرًا على الأقدام كما ذهب، يضرب جرس منزله، الأم تسأل: "مين على الباب؟"، يُجيب: أنا ماهر.

- ماهر: "بدي اتغدا يما.. شو عاملة اليوم؟" تُجيب الأم: "دبّر حالك في الزعتر الموجود في البيت".

حالة من الضجر تصيب ماهر، متمتمًا: "أووووف .. كل يوم زعتر!".

حوار قصير يدور بشكل شبه يومي بين ماهر وأمه، عقب تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية للعائلة، إثر خسارة والده في تجارة قصدها لبيع الملابس في سوق الأحد قرب دوار الشيخ زايد شمال القطاع، كما يقص ماهر والحسرة تجتاح تقاسيم وجهه.

بصمت جمع ماهر أكياس الترمس التي كانت قد جهزتها والدته، ووضع حقيبته على ظهره مجدّدًا، ومضى في طريقه ماشيًا وكأنه يتخفى من الجيران وكل مَن يعرفه، هرباً من الحرج والسؤال، أو ربما الاستهزاء من آخرين، فتوجه إلى منطقة "حي النصر" ليستقر على قارعة طريق هناك.

تحدق عيون ماهر التي بان عليها الإرهاق هنا وهناك، علّها تجد من يفهمها من المارّة، ليعينه على العبء الثقيل الملقى على عاتقه.. يمضي الوقت ساعة، ساعتان.. يبدأ الليل بإسدال ستائره، لكنه يواصل الجلوس في ذات المكان أملاً بالعودة ولو بـ "5 شواكل" لعائلته.

لحظات حتى باغت ماهر طفلان (ولد وبنت) هما شقيقاه، يسألانه بتلهف "بكم بعت اليوم؟"، يجيب بصوت خافت: "بس بشيقل".

في تلك اللحظات تجمهر عدد من المارّة قرب "ماهر"، حينها بدأت التعليقات تترامى من بعضهم وتخترق أذنيه، "ليس وحده يعيش بهذا الحال، في زيه كتير ناس"، فأخذ حينها يلملم نفسه وحقيبته وهمومه على ظهره، متجهاً إلى بيته بخيبة أمل ومشاعر تصرع داخله.

وصورة "ماهر" واحدة من 3.9% هي نسبة الاطفال العاملين سواء بأجر أو دون أجر في فلسطين من إجمالي عدد الأطفال في الفئة العمرية 10-17 سنة، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء للعام 2016، وذلك بواقع 5.3% في الضفة الغربية و1.9% في قطاع غزة.

في حين بلغت نسبة الأطفال الملتحقين بالمدارس ويعملون 1.7% بواقع 2.4% في الضفة الغربية و0.8% في قطاع غزة.

اخبار ذات صلة