أثار قرار الأردن استعادة ملكية المنطقتين الحدوديتين الباقورة والغمر اللتين تمتعت إسرائيل بحقوق معينة فيهما بموجب اتفاقية وادي عربة للسلام منذ عام 1994، الكثير من ردود الفعل الإسرائيلية الغاضبة "المؤقتة"، وسأضطر لتكرار كلمة "مؤقت" عدة مرات في هذه السطور.
يعتقد الإسرائيليون أن علاقتهم بالأردن وثيقة، وتقترب من حد التحالف، بالنظر إلى عمقها وبعدها الزمني، ولعل المجال لا يتسع للحديث عن محطات فاصلة من التنسيق الأمني والسياسي، والتعاون الاقتصادي والتجاري، بين تل أبيب وعمان.
ومع ذلك فإن الإسرائيليين لا يخفون غضبهم، ولو كان مؤقتا، من هذه الخطوة الأردنية المفاجئة، صحيح أن هاتين المنطقتين الأردنيتين اللتين استأجرتهما إسرائيل بموجب اتفاق السلام قبل ربع قرن من الزمن، كان لابد أن تعودا إلى الملكية الأردنية، لكن القلق الإسرائيلي، المؤقت، قد يكون مرده المفاجأة في صدور القرار الأردني، وعدم التمهيد له في القنوات الدبلوماسية، العلنية منها والسرية.
لا يخفي الإسرائيليون متابعتهم الحثيثة لكل شاردة وواردة تشهدها جارتهم الشرقية، سواء بسبب طول الحدود الجغرافية بينهما، أو في ظل التواجد السكاني الفلسطيني الأكبر في دول المنطقة بعد فلسطين، بجانب الحديث عن التمدد الإيراني المتوقع في الدول المحيطة بإسرائيل، بدءا بلبنان، ومرورا بالعراق، ووصولا إلى سوريا، ولعله ينتهي في الأردن، الأمر الذي دفع الملك الأردني ذاته للتحذير بصورة مسبقة مما وصفه خطر اكتمال الهلال الشيعي.
في مرحلة ما قبل توقيع اتفاق السلام الأردني الإسرائيلي قبل ربع قرن، فإن علاقات البلدين تعود إلى مرحلة السنوات الأولى لقيام الدولة الإسرائيلية، لكن جانبها الخفي ظل رهين الأدراج الأمنية والأرشيفات الاستخبارية، بعضها كشف النقاب عنه، لكن معظمها ظل حبيس الصدور في الدولتين.
ولذلك لا تظهر دوائر صنع القرار في تل أبيب، سواء رئاسة الحكومة أو الجيش أو المخابرات، قلقا كبيرا حقيقيا وجديا، من الخطوة الأردنية المشار إليها، رغم أنها وجدت ردود فعل واسعة في أوساط الكتاب والمحللين الإسرائيليين، الذين دأبوا على أن "يجعلوا من الحبة قبة"، بجانب تعليقات برلمانية، ولا ضير من استغلال المعارضة الإسرائيلية للقرار الأردني للمزاودة على فشل الحكومة الحالية في سياستها الخارجية.
تعتقد إسرائيل، ولعلها محقة في هذا الاعتقاد، وهذا مما يؤسف له، أن بينها وبين الأردن حبلا سريا، يمنح كليهما أسباب الحياة وطوق النجاة من التهديدات الكامنة في المنطقة، وأن لديهما ذات التقييم للكثير من التطورات السياسية والأمنية التي يحفل بها الشرق الأوسط، ولذلك فإن ضباط المخابرات في البلدين بينهما من التنسيق والتعاون وتبادل المعلومات، ما يفوق ساستهما ودبلوماسييهما، كل ذلك يجعل قلق تل أبيب من الخطوة الأردنية "مؤقتاً وآنياً وقصير المدى".