تابع الإسرائيليون عن كثب تطورات قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لكن متابعتهم لم تتزامن مع صدور ردود أفعال، على غير عادتهم، فالإسرائيليون ثرثارون، نادرا ما يتركون شأنا إلا ويعقبون عليه، إن لم يكن بأسمائهم الشخصية مباشرة، فبالاستناد لمصادر مسئولة رفيعة المستوى.
لكن الصمت هذه المرة خيم على تل أبيب، ربما بإيعاز رسمي من دوائر صنع القرار، لأكثر من سبب، فقد جاء الحادث متزامنا مع التوتر الأمني على حدود غزة، وزيادة التقديرات بنشوب تصعيد عسكري عنيف، يجعل أي حديث إسرائيلي عن سواه ترفاً فكرياً لا يليق بصاحبه.
حطت الطيور على رؤوس الإسرائيليين، فلم يعلقوا على مقتل خاشقجي، لأن الأمر يخص تحالفاً إقليمياً في طور الاكتمال والإنضاج على نار سريعة، مما يتطلب من الأصدقاء إبداء الدعم والتضامن، وإن كان الصمت هو أضعف الإيمان، فكان من نصيب إسرائيل، تخيلوا معي لو أن الحادثة حصلت مع صحفي تركي أو إيراني، كيف ستعمل الآلة الدعائية الإسرائيلية الموجهة لتشويه هذه الدول المعادية لإسرائيل، أو لا ترتبط بعلاقات ودية معها، على أقل تقدير.
ولعل ما جعل الإسرائيليين يصمتون عن حدث كهذا هز أرجاء الكرة الأرضية بجهاتها الأربع، أن ما تواجهه من تحديات أمنية وتهديدات إستراتيجية في المنطقة، على رأسها إيران، تجعلها تغض الطرف عن أي إشكالية قد تواجه حلفاءها المفترضين في هذه المواجهة، وعلى رأسهم السعودية.
وقبل ذلك وبعده، فإن إسرائيل صاحبة الملف الأطول في الاغتيالات والتصفيات الجسدية، مدانة من قمة رأسها إلى أخمص قدميها، في هذا السجل الدامي، فقد اغتالت داخل فلسطين وخارجها مئات الشخصيات الفلسطينية والعربية والدولية، وارتكبت أبشع الجرائم، وتواطأت مع أسوأ الأنظمة، وما زالت تبرم معها صفقات سلاح وأدوات تعذيب ومنظومات تجسس، لتصبح شريكة في هذه الانتهاكات والمخالفات.
إن كان من بعد سياسي في الموقف الإسرائيلي من قضية خاشقجي، فهي تنبع من القلق على إمكانية أن تشهد العلاقات السعودية الأمريكية بعض الفتور، بسبب الضغوط الداخلية على الرئيس ترمب، الذي يبدي تفهمه بالرواية الرسمية السعودية لاعتبارات تخص استمرار استنزافه لمقدراتها الاقتصادية، مقابل أصوات من الكونغرس وبعض أركان الإدارة التي تطالب بإبداء حزم أكبر مع الرياض، إن ثبت تورطها بصورة أو بأخرى في هذه الحادثة.
في الوقت نفسه، ترى تل أبيب أن أزمة خاشقجي قد تعمل على تقريب علاقاتها مع الرياض، لأن الأخيرة تعلم أن اللوبي الصهيوني في واشنطن لديه من أدوات التأثير ما ليس لدى سواه، وبالتالي فسيكون لديه القدرة على كبح جماح أي سلوك أمريكي غاضب منها.