جاء لافتا متن الخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على منصة الكنيست لافتتاح دورتها الشتوية، حين شن هجوما على السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، قائلا إن الأخير "تحول عقبة أمام السلام، ليست في جانبها الإسرائيلي، بل الجانب الفلسطيني أيضا، بسبب تمويل السلطة الفلسطينية للأسرى ولعائلات منفذي العمليات الفدائية، وأن عباس يطالب بدولة فلسطينية نظيفة من اليهود، ويتبنى قوانين تعدم من يبيع الأرض لليهود، بينما تكافئ من يقتل يهوديا".
صحيح أنها ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها نتنياهو السلطة ورئيسها، فقد دأب على ذلك منذ توقف المفاوضات بينهما في 2014، لكن صدور هذا الخطاب وكيل هذه الاتهامات من خلال مناسبة برلمانية يحضرها غالبية السفراء الأجانب في اسرائيل يحملان دلالات سياسية لا تخطئها العين، ويبعثان برسائل واضحة لكل من يهمه الأمر من عواصم صنع القرار حول العالم، وعلى رأسها واشنطن.
تزامنت اتهامات نتنياهو لعباس فيما تنشغل فيه الإدارة الأمريكية بإنضاج صفقة القرن لإيجاد تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين على مقاسها الخاص، بعيدا عن القرارات الدولية ذات الصلة، وكأنه يطلب من واشنطن ضمنياً إما وقف جهودها الجارية، أو على الأقل انتظار أفول عهد عباس السياسي، وربما أكثر من ذلك القفز عنه، سواء من خلال إيجاد قيادة فلسطينية بديلة، أو تجميد الجهود الأمريكية إلى إشعار آخر.
لم يتردد نتنياهو في إبداء رفضه الصارم تجاه أي ضغوط أمريكية قد تمارس على تل أبيب في سبيل إنجاز صفقتها السياسية الموعودة، ليس رغبة منه للدخول في صدام مع أكثر إدارة أمريكية حليفة لإسرائيل، بل تقف على يمينها، لكن لعله لا يرى أن الأوضاع السياسية في الساحتين: الفلسطينية والإسرائيلية، مهيأة للشروع في عملية سياسية جديدة.
الغريب أن نتنياهو الذي يهاجم عباس سياسياً، ويعتبره عقبة في طريق السلام، يستفيد منه أيما استفادة في استمرار تنسيق الأجهزة الأمنية للجانبين، وما يعنيه ذلك من حفظ أمن المستوطنين في الضفة الغربية، وهو ما يعني أنه يعترف بهذه السلطة الفلسطينية من جانب الأمن والتنسيق والتعاون، وفي الوقت ذاته لا يراها أهلاً للشراكة السياسية والتفاوضية، فهل هذا يعني أن نتنياهو مصاب بانفصام في الشخصية؟
قد يكون ذلك، لكن الأكيد أنه لم يعد يرى في هذه السلطة سوى مشروع أمني يخدم مستوطنيه، ويسهر على راحتهم، ويساعد في توسع تمددهم الاستيطاني في مختلف أرجاء الضفة الغربية، فهل تعي السلطة هذا الدرس مقدمة لإعادة النظر في هذا الدور المهين الذي تقوم به.. آمل ذلك، رغم أني أشك فيه!