قرأت سؤالك إلى حركة حماس، وحتى تجيب حماس عن سؤالك بجواب تنظيمي تفصيلي، أجيز لنفسي كمستقل لا ينتمي لحركة حماس أو لغيرها، أن أجيب عن سؤالك بسؤال:
أنت تعترف بأننا أمام مخطط أمريكي إسرائيلي يهدف إلى تصفية المشروع الوطني الفلسطيني!!
ما المشروع الوطني الفلسطيني يا دكتور صائب؟ هل هو المشروع الوطني ذاته الذي انطلقت من أجله حركة فتح، وأنت أحد قادتها؟ أو هو المشروع الوطني ذاته الذي من أجله أُسّست منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964؟ وهل تغير المشروع الوطني أو ظل على حاله؟ وهل هنالك توافق وطني كامل على هذا المشروع؟ والسؤال الأهم: هل ظل تحت نفوذ الفلسطينيين أرضًا في الضفة الغربية ليقيموا عليها بعض مشروعهم الوطني؟
ولماذا فشلت القيادة؛ وأنت أحد أركانها في تحقيق المشروع الوطني قبل حدوث الانقسام، ألم تكن لكم الفرصة الكاملة في قيادة الشعب متفردين حتى سنة 2007؟ فلماذا لم تعيدوا صياغة المسيرة السياسية؟ وتناقشوا مع الكل الوطني أسباب فشل المشروع الوطني حتى ذاك التاريخ؟
تجري يا دكتور صائب حسبة مالية، وتقول: لماذا نساعد أمريكا و(إسرائيل) تحت يافطة المساعدات الإنسانية، ومشاريع بقيمة عدة ملايين، ويعدّون ذلك انتصارًا، ويتناسون أن عقوبات إدارة ترامب على المواقف الوطنية العظيمة للأخ أبو مازن والقيادة قد بلغت ٨٤٤ مليون دولار؟
لا شك أنها خسارة مالية بالغة، والسؤال هنا: لماذا قدمت أمريكا هذه الملايين للفلسطينيين، ولماذا توقفت عن دفعها؟ ألا يعني حديثك أن ما تدفعه أمريكا من ملايين هو قرين المشاركة في المشروع الأمريكي القائم على خداع الشعب الفلسطيني وتسكين غضبة تحت حجج المفاوضات، واستئناف المفاوضات، والسعي لتشجيع المفاوضات، والبدء بالمفاوضات، وتجميد المفاوضات، وتوقف المفاوضات، دون تحقيق أي إنجاز، بل على العكس، لقد وظف أعداؤنا المفاوضات لتثبيت مزيد من المستوطنات؟ فهل تنكر ذلك؟ وهل تنكر أن العدو الإسرائيلي هو عدونا، أم هو جارنا؟ حدد موقفك من عدونا الإسرائيلي كي أحدد موقفي منك، وهل صار العدو جارًا؟
تقول يا دكتور صائب: لماذا تُرفض الرزمة الشاملة بتنفيذ دقيق وأمين وكامل وتدريجي لاتفاق القاهرة ١٢-١٠-٢٠١٧، دون تجزئة؟
وهل نسيت يا رجل أن اتفاق القاهرة المذكور يقر بضرورة صرف رواتب موظفي غزة في شهر نوفمبر من العام نفسه؟ وقد مضى نوفمبر وديسمبر، وها نحن نقترب من نوفمبر 2018 دون أن تقدم الحكومة شاقل إسرائيلي واحد لموظف واحد في قطاع غزة.
ثم تطالب يا دكتور صائب بوضع حجر الأساس لشراكة سياسية فلسطينية حقيقية ترتكز على التعددية السياسية وليس على تعدد السلطات!
ألا يعني حديثك هذا اعترافًا بأن الساحة الفلسطينية تخلو من الشراكة السياسية في القرار الوطني؟ نعم، نحن بحاجة إلى شراكة سياسية، وأعترف معك بأن الذي دمر قضيتنا هو التفرد بالقرار، وعدم احترام الرأي الآخر، وللتذكير، فقد اتفق كل الفلسطينيين في اللجنة التحضرية في بيروت، شهر يناير 2017 على ورقة عمل تقضي بالشراكة السياسية، وذلك من خلال دعوة الإطار القيادي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، تشرف على الانتخابات الفلسطينية في زمن معلوم؟ فماذا حل بها؟ لماذا أغفل ذكرها السيد عباس؟ ولم يأخذ بما جاء فيها؟
ولماذا عقدتم مجلسًا وطنيًّا انشقاقيًّا في رام الله؟ ماذا جنيتم غير تعميق الانقسام، وتوسيع دائرة الشرذمة التنظيمية؟ ألا يعني ذلك أنكم من عشاق التفرد بالقرار، وعدم احترام الشراكة السياسية؟
تختم سؤالك لحركة حماس بسؤال: هل ثمن مسيرات العودة التي سقط فيها ١٨٦ شهيدًا وآلاف الجرحى من خيرة أبناء شعبنا تحول منحق العودة إلى الإغاثة الإنسانية؟
بداية؛ هل أنت مقتنع بحق العودة؟ وهل الاعتراف بإسرائيل ضمن حدود 48 يبقى لنا حق عودة؟ وإلى أين؟ ثم هل أنت مقتنع بمسيرات العودة؟ وهل تثمن دورها، وتقدر جهدها كما جاء في بيان اللجنة التنفيذية؟ إن كنت كذلك؟ فلماذا لم تنظم يا قائد مسيرات عودة مماثلة في الضفة الغربية؟ أم أن الضفة الغربية تحررت، وعاد لاجئوها إلى ديارهم، ولم يتبق تحت الاحتلال إلا غزة؟
ويبقى السؤال الأهم: من الذي أوصل غزة إلى حياة الضنك، وجعلها تفتش عن الإغاثة الإنسانية؟ أليست العقوبات التي فرضها السيد عباس؟ فهل تنكر ذلك؟ ومن الذي حرم موظف غزة من راتبه، وقطع الكهرباء، وأوجع غزة أكثر مما أوجعها العدو الإسرائيلي؟ من؟ لماذا فرضتم عقوباتكم على أهل غزة؟ ألم تكن تعلم أن تجويع غزة سيجبرها على البحث عن حل إنساني؟ فهل كنتم تعرفون ذلك، وتخططون له لتمرير صفقة القرن، أم كنتم تجهلون هذه الحقيقة؟ وفي الحالتين يقع الجرم على القيادة التي أوصلت غزة إلى حافة الهاوية المعيشية.
وطالما أدركتم أن صفقة القرن ستمر من بوابة غزة، فلماذا لا تدركون الوطن من خلال إدراك ضائقة غزة؟ ما الذي يمنعكم من فتح حنفيات المساعدات لغزة؟ لماذا لا تصرفون الرواتب فورًا، وتدفعون ثمن الكهرباء التي قطعتموها؟ لماذا لم تسارعوا إلى إنقاذ غزة كي تنقذكم، طالما اكتشفتم المخطط؟ لماذا لا تبادرون إلى تطبيق قرارات المجلس الوطني الذي طالبكم برفع العقوبات عن غزة؟ لماذا لم تطبقوا قرارات المجلس المركزي الذي طالبكم بوقف التعاون الأمني في شهر مارس سنة 2015، وذلك قبل عامين من توقيع اتفاقية القاهرة التي تطالب بتطبيقها؟
يا دكتور صائب، إذا رغبتم في التصدي لصفقة القرن، أوقفوا التعاون الأمني صباحًا، لينتهي الانقسام مساء في اليوم نفسه، ليصير القرار الوطني واحدًا، يواجه عدوًا واحدًا، يزغرد بالعودة في ساحات الضفة الغربية وغزة، فيداوي جرحًا واحدًا.