لا يتوقّعنّ أحد أن يرفع الاحتلال الإسرائيلي الحصار المفروض على قطاع غزة في ظل المسيرات الجارية أو المقاومة الشعبية التي تشهدها حدود القطاع منذ ستة أشهر، لأن هذا الحصار فرضته (إسرائيل) لأسباب سياسية، وسيكون رفعه للأسباب ذاتها، على أهمية الضغط الشعبي وتأثير الجهود الإقليمية والدولية.
تبدي أوساط إسرائيلية عديدة انزعاجها من استمرار حالة الاستنزاف الحاصلة على الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة، وهو استنزاف جدي وحقيقي، صحيح أنه يخضع للتهوين والتهويل أحيانا، وفقا لرغبة صانع القرار السياسي في تل أبيب، ولاعتبارات داخلية وخارجية، لكن هذا الانزعاج ليس من المتوقع أن يشكل دافعا وحيدا ضاغطا على الحكومة الإسرائيلية للاستجابة لمطالب الفلسطينيين العادلة برفع الحصار الظالم عنهم.
ما يعزز هذه القناعة أنه بعد دخول الوقود القطري لمحطة كهرباء غزة، بتفاهمات فلسطينية إسرائيلية أمريكية أممية مصرية، اتخذ وزير الحرب الإسرائيلي قرارا بوقف إمداده بزعم استمرار مسيرات العودة التي شهدها يوم الجمعة.
ليست هناك مؤشرات تشير إلى قدرة هذا الإنذار على الصمود أو التراجع، فاستمرار منع إدخال الوقود للقطاع يعني دخوله في أزمة إنسانية تتعلق بالكهرباء، وهي المعلم الأسوأ للكارثة الإنسانية التي تحياها غزة، ومع ذلك فإن ليبرمان الذي "ينبح كثيرا ويعض قليلا"، قد يتراجع عن قراره هذا تحت تأثير رئيس الحكومة وقيادة الجيش.
وفي حال تراجع عن القرار، كما هو متوقع، فهذا يعني استمرار المسيرات بزخم أقوى وأكبر، رغبة بانتزاع تنازلات جديدة تتجاوز الكهرباء إلى رفع الحصار الكلي، بكل مظاهره الكارثية من معابر، وصيد، ورواتب، وغيرها.
أياً كان القرار الإسرائيلي بشأن التعامل مع الصيغ المتداولة لرفع حصار غزة، في ظل التفاهمات الأخيرة، التي أخذت أبعادا إقليمية ودولية، لكن التجربة علمتنا أنه كلما اقترب الجانبان من الانتهاء من مسودات أي اتفاق، يخرج في اللحظات الأخيرة ما قد يعيق إعلانها، أو يعرقل إبرامها، كما حصل في الأسابيع الأخيرة عند الاقتراب من التوقيع على اتفاق التهدئة.
ليس هناك ما يشير في الأفق إلى تجاوز السقف الإسرائيلي في تقديم تسهيلات إنسانية لغزة، بما يمنع انفجارها باتجاه الاحتلال، لأن الأمر يرتبط بمقابل واشتراطات تسعى (إسرائيل) وتناور من أجل الحصول عليها من الفلسطينيين، هي تدرك أن الأمر ليس متاحا في متناول اليد، لأن الخبرة الطويلة مع الاحتلال تجعل الناس في غزة متيقظين وحذرين من تصديق أي رواية أو وعد أو تبادل رسائل.
أخيرا.. ما زال أمامنا المزيد من الوقت لرؤية حلحلة في الموقف الإسرائيلي في الاستجابة للمطالب الفلسطينية العادلة برفع حصار غزة، ليس الأمر بمعجز بصورة حقيقية، لكنه ليس سهلا بالصورة التي يتوقعها، أو يتمناها البعض، في ظل بقاء الاعتبارات والمعايير ذاتها التي أعاقت إنجاز أي تسوية خلال الفترة الماضية.