مكان مرتفع وجميل، يرتفع عن سطح البحر 74 مترًا، ويمنحه هذا الارتفاع وضعًا "جيوستراتيجيًّا" تراقب منه تحركات الجيش المصري غرب قناة السويس، وتحكم السيطرة على كل المناطق المحيطة به، وللموقع سبعة مداخل مثل فروع الشجرة، لذا سمي "تبة الشجرة"، من هنا وقع اختيار جيش الاحتلال الإسرائيلي على هذا الموقع المهم ليكون مقرًّا للقيادة، وغرفة العمليات المزودة بالأجهزة المخصصة للاتصال بالوحدات والقيادات الفرعية والقيادة الجنوبية والقيادة العامة، وكذا الأجهزة والمعدات الإلكترونية ومجموعة الوثائق والخرائط، أما الموقع الآخر فخصص للعمل الإداري.
خلال خمس وعشرين دقيقة سقط هذا الحصن المنيع بأيدي القوات المسلحة المصرية، لترسم ملامح نصر أكتوبر العظيم، ويصبح تبة الشجرة مزارًا تاريخيًّا تؤمّه شعوب المنطقة عامة، والشعب المصري خاصة، وتحديدًا في السادس من أكتوبر من كل عام، كي يستعيدوا ذكريات الماضي المجيد، ويترحموا على أرواح شهداء حرب أكتوبر 1973م.
وشاءت الأقدار أن أكون أحد زوار هذا الموقع في الذكرى الأولى لحرب أكتوبر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، لأتجول بين حصونه، وأشاهد بعضًا من دباباته ومدرعاته وأسلحته ومعداته التي تركها خلفه العدو الصهيوني المهزوم، لتكون شاهدًا على بسالة الجندي المصري العظيم. ما لفت انتباهي اللوحة الزرقاء التي تزين مدخل موقع تبة الشجرة، ودون عليها عبارة من ثلاث كلمات تدل على الماضي والمستقبل، وترسم حروفها معالم إستراتيجية وطنية، وتمثل أقوى رسالة للمفاوض الفلسطيني، فكتب على تلك اللوحة المعدنية الزرقاء عبارة: "السلام يحميه القوة".
نعم، السلام يحميه القوة، وأضيف إليها: إن القوة هي التي تجلب السلام العادل والشامل في المنطقة، أما الخطاب الاستجدائي، ودبلوماسية البكائيات والجنازات فسيأتيان بالاستسلام لا السلام، والفرق كبير بين المصطلحين، وهنا ينبغي لنا إعادة القيمة لمشروع المقاومة وثقافة المقاومة، وهنا أقصد المقاومة بكل أساليبها، وعدونا لا يعرف إلا لغة القوة، ولذلك نحن بحاجة إلى مزيد من تراكم القوة كي نصنع سلامًا يعيد لشعبنا حقه في الأرض التي سلبت، ومقدساته التي دنست، والوحدة الوطنية هي أحد أهم مرتكزات القوة.
مشهد آخر لفت انتباهي في موقع تبة الشجرة، وهو يكتظ بالزائرين، هو حجم كراهية الشعب المصري للصهاينة، وجلست مع العديد ممن كانوا داخل الموقع وخارجه، وخرجت بنتيجة مفادها أن الشعب المصري بكافة بألوانه السياسية كافة إسلاميين وليبراليين وشيوعيين ... إلخ يتلاقون معًا في كراهيتهم الكيان العبري، تلك الكراهية وعدم قبول الكيان في المنطقة بوابة الأمل للشعب الفلسطيني في أن المشروع الصهيوني رغم النجاحات الكبيرة التي يحققها في ساحات متعددة التطبيع معه ترفضه الشعوب.
مثّل نصر أكتوبر العظيم مدرسة للشعوب المظلومة والمحتلة كافة، أثبتت أن تحرير الأرض ممكن أن يتحقق بوحدة الشعب والقيادة خلف هدف التحرير، وإن اختلفت معايير وموازين القوى.