ما زالت إسرائيل تعدّ في نظر المنظومة الدولية الابن المدلل لها، تمدها بأسباب القوة، وتحميها من أي مخاطر خارجية، وتوفر لها الدعم المالي والرفاه الاقتصادي، رغم وجود تباينات عديدة بين السياسة الإسرائيلية لوحدها من جهة، وباقي السياسات العالمية من جهة أخرى.
لكن هذا الدعم المقدم لإسرائيل من كبرى عواصم العالم ما زال مقتصرًا على جانبه الحكومي الرسمي، بالتزامن مع تراجعه في المستويات الشعبية وغير الحكومية، البرلمانية منها والقانونية والأكاديمية والفنية.
وقد تجلى الرفض العالمي للسياسات الإسرائيلية في الفعاليات العديدة التي تنظمها حركة المقاطعة العالمية BDS، سواء بمقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية، أو الملاحقة القانونية لكبار الضباط والساسة الإسرائيليين، وانتشار المحاضرات الأكاديمية في المؤسسات الجامعية.
لكن الجديد هذه المرة في الرفض العالمي للسياسة الإسرائيلية ما شهدته قاعة البرلمان الأوروبي قبل أيام، حين تعرض آفي ديختر عضو الكنيست عن حزب الليكود الحاكم لإهانة قاسية من قبل عدد من البرلمانيين الأوروبيين الذين يمثلون الرأي العام في الديمقراطية الأكبر على مستوى العالم.
ديختر، الذي يترأس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، وشغل سابقا مواقع أمنية رفيعة المستوى في إسرائيل مثل وزير الأمن الداخلي ورئيس جهاز الأمن العام الشاباك، قام بزيارة إلى البرلمان الأوروبي بصحبة وفد من الكنيست لتنسيق مواقفهما الخاصة في مجال الأمن والخارجية.
لكن ما كان ينتظر ديختر في بروكسل لم يحلم به في أشد كوابيسه حلكة حين انبرى بعض أعضاء البرلمان الأوروبي، ووجها له شتائم قاسية واتهامات قوية، لارتكابه جرائم حرب ضد الفلسطينيين، ومسؤوليته عن الاغتيالات والتصفيات الجسدية التي قتل فيها فلسطينيون كثر دون محاكمات عادلة في الضفة وغزة، وهو صاحب قانون القومية اليهودية العنصري الذي يحول العرب داخل إسرائيل لمواطنين من الدرجة الثانية.
بل إن البرلمانيين الأوروبيين طالبا بتقديم ديختر للمحاكم الدولية حول الجرائم التي اقترفها، لأنه أصدر بلسانه أوامر وتعليمات بتعذيب الأسرى، واتخذ قرارات بقتل النشطاء، وتولى مسئولية تفجير منازل الفلسطينيين.
شكل الاستقبال المهين الذي يليق بـ"ديختر" آخر حلقات الضيق العالمي بالسياسة الإسرائيلية، وارتفاع أصوات نافذة في دوائر صنع القرار في بعض العواصم الفاعلة المطالبة بكبح جماح إسرائيل، لوقفها عند حدها، وعدم المضي في انتهاكاتها لحقوق الفلسطينيين.
ورغم الاحتضان الدولي الرسمي لإسرائيل لاعتبارات المصالح المتبادلة، لكن الفضاء غير الحكومي في مختلف العواصم ما زال رافضا لها، وغير مقتنع بها، ولم يشترِ الرواية المزعومة التي تبرر جرائمها، مما يتطلب من الفلسطينيين تشجيعه، وتعزيزه، بالتواصل مع تلك الأوساط البرلمانية والحقوقية حول العالم، لأنها باتت جبهة أساسية من المواجهة بين الجانبين، لا تقل عن المعارك الضارية التي تشهدها الأراضي المحتلة.